للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنْ أَبِي الْيَمَانِ بِإِسْنَادِهِ.

قَوْلُهُ (وَثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ) قُلْتُ: ذَكَرَهَا ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ وَقَالَ: اخْتُلِفَ فِي إِسْلَامِهَا. وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ إِسْلَامَهَا غَيْرَهُ، وَالَّذِي فِي السِّيَرِ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُكْرِمُهَا، وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَيْهِ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ، وَكَانَ يُرْسِلُ إِلَيْهَا الصِّلَةَ مِنَ الْمَدِينَةِ، إِلَى أَنْ كَانَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ مَاتَتْ وَمَاتَ ابْنُهَا مَسْرُوحٌ.

قَوْلُهُ (وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ عِتْقَهُ لَهَا كَانَ قَبْلَ إِرْضَاعِهَا، وَالَّذِي فِي السِّيَرِ يُخَالِفُهُ، وَهُوَ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ أَعْتَقَهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ الْإِرْضَاعِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أَيْضًا أَنَّ عِتْقَهَا كَانَ قَبْلَ الْإِرْضَاعِ، وَسَأَذْكُرُ كَلَامَهُ.

قَوْلُهُ (أُرِيَهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ.

قَوْلُهُ (بَعْضُ أَهْلِهِ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ النَّائِبُ عَنِ الْفَاعِلِ. وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ رَأَيْتُهُ فِي مَنَامِي بَعْدَ حَوْلٍ فِي شَرِّ حَالٍ فَقَالَ: مَا لَقِيتُ بَعْدَكُمْ رَاحَةً، إِلَّا أَنَّ الْعَذَابَ يُخَفَّفُ عَنِّي كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ، قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ وُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَكَانَتْ ثُوَيْبَةُ بَشَّرَتْ أَبَا لَهَبٍ بِمَوْلِدِهِ فَأَعْتَقَهَا.

قَوْلُهُ (بِشَرِّ حِيبَةٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ أَيْ سُوءُ حَالٍ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: أَصْلُهَا الْحَوْبَةُ وَهِيَ الْمَسْكَنَةُ وَالْحَاجَةُ، فَالْيَاءُ فِي حِيبَةٍ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا. وَوَقَعَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِلْبَغْوِيِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُسْتَمْلِي بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ فِي حَالَةٍ خَائِبَةٍ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ تَصْحِيفٌ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُرْوَى بِالْمُعْجَمَةِ، وَوَجَدَتْهُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَحَكَى فِي الْمَشَارِقِ عَنْ رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي بِالْجِيمِ وَلَا أَظُنُّهُ إِلَّا تَصْحِيفًا، وَهُوَ تَصْحِيفٌ كَمَا قَالَ.

قَوْلُهُ (مَاذَا لَقِيتَ) أَيْ بَعْدَ الْمَوْتِ.

قَوْلُهُ (لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ، غَيْرَ أَنِّي) كَذَا فِي الْأُصُولِ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ، وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ رَخَاءً وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ رَاحَةً قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: سَقَطَ الْمَفْعُولُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، وَلَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ إِلَّا بِهِ.

قَوْلُهُ (غَيْرَ أَنِّي سَقَيْتُ فِي هَذِهِ) كَذَا فِي الْأُصُولِ بِالْحَذْفِ أَيْضًا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمَذْكُورَةِ وَأَشَارَ إِلَى النُّقْرَةِ الَّتِي تَحْتَ إِبْهَامِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْمَذْكُورَةِ وَأَشَارَ إِلَى النُّقْرَةِ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا مِنَ الْأَصَابِعِ وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ. . كَذَا مِثْلُهُ بِلَفْظِ يَعْنِي النُّقْرَةَ إِلَخْ وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى حَقَارَةِ مَا سُقِيَ مِنَ الْمَاءِ.

قَوْلُهُ (بِعَتَاقَتِي) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِعِتْقِي وَهُوَ أَوْجَهُ وَالْوَجْهُ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِإِعْتَاقِي، لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّخْلِيصُ مِنَ الرِّقِّ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِي الْآخِرَةِ ; لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ وَأُجِيبَ أَوَّلًا بِأَنَّ الْخَبَرَ مُرْسَلٌ أَرْسَلَهُ عُرْوَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا فَالَّذِي فِي الْخَبَرِ رُؤْيَا مَنَامٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَلَعَلَّ الَّذِي رَآهَا لَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ أَسْلَمَ بَعْدُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَثَانِيًا عَلَى تَقْدِيرِ الْقَبُولِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّبِيِّ مَخْصُوصًا مِنْ ذَلِكَ، بِدَلِيلِ قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْهُ فَنُقِلَ مِنَ الْغَمَرَاتِ إِلَى الضَّحْضَاحِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَا وَرَدَ مِنْ بُطْلَانِ الْخَيْرِ لِلْكُفَّارِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يَكُونُ لَهُمُ التَّخَلُّصُ مِنَ النَّارِ وَلَا دُخُولُ الْجَنَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي يَسْتَوْجِبُونَهُ عَلَى مَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْجَرَائِمِ سِوَى الْكُفْرِ بِمَا عَمِلُوهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ.

وَأَمَّا عِيَاضٌ فَقَالَ: انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا تَنْفَعُهُمْ أَعْمَالُهُمْ وَلَا يُثَابُونَ عَلَيْهَا بِنَعِيمٍ وَلَا تَخْفِيفِ عَذَابٍ ; وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَشَدَّ عَذَابًا مِنْ بَعْضٍ. قُلْتُ: وَهَذَا لَا يَرُدُّ الِاحْتِمَالَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِذَنْبِ الْكُفْرِ، وَأَمَّا ذَنْبُ غَيْرِ الْكُفْرِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَخْفِيفِهِ؟ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا التَّخْفِيفُ