مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ.
وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي التَّرْجَمَةِ لِتَعْبِيرِهِ بِلَفْظِ: قَاتَلَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَبَقِيَّةُ أَصْحَابِ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ نَحْوَهُ، وَفِيهِ ذِكْرُ الْأَهْلِ وَالدَّمِ وَالدِّينِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ: مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ ظُلْمًا فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ جَوَازُ قَتْلِ مَنْ قَصَدَ أَخْذَ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا؛ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَشَذَّ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يَجُوزُ إِذَا طَلَبَ الشَّيْءَ الْخَفِيفَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: سَبَبُ الْخِلَافِ عِنْدَنَا هَلِ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؟ أَوْ مِنْ بَابِ دَفْعِ الضَّرَرِ فَيَخْتَلِفُ الْحَالُ؟ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ أَوْ نَفْسُهُ أَوْ حَرِيمُهُ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ أَنْ يُكَلِّمَهُ أَوْ يَسْتَغِيثَ، فَإِنْ مُنِعَ أَوِ امْتَنَعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِتَالُهُ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ عَمْدُ قَتْلِهِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ عَمَّا ذُكِرَ إِذَا أُرِيدَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ، إِلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ. وَفَرَّقَ الْأَوْزَاعِيُّ بَيْنَ الْحَالِ الَّتِي لِلنَّاسِ فِيهَا جَمَاعَةٌ وَإِمَامٌ فَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا فِي حَالِ الِاخْتِلَافِ وَالْفُرْقَةِ فَلْيَسْتَسْلِمْ وَلَا يُقَاتِلْ أَحَدًا. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: فَاقْتُلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: فَهُوَ فِي النَّارِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إِنَّمَا أَدْخَلَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ شَهِيدًا إِذَا قُتِلَ فِي ذَلِكَ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ إِذَا كَانَ هُوَ الْقَاتِلَ.
٣٤ - بَاب إِذَا كَسَرَ قَصْعَةً أَوْ شَيْئًا لِغَيْرِهِ
٢٤٨١ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا فَكَسَرَتْ الْقَصْعَةَ، فَضَمَّهَا وَجَعَلَ فِيهَا الطَّعَامَ وَقَالَ: كُلُوا. وَحَبَسَ الرَّسُولَ وَالْقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا، فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ وَحَبَسَ الْمَكْسُورَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
[الحديث ٢٤٨١ - طرفه في: ٥٢٢٥]
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا كَسَرَ قَصْعَةً أَوْ شَيْئًا لِغَيْرِهِ)؛ أَيْ: هَلْ يَضْمَنُ الْمِثْلَ أَوِ الْقِيمَةَ؟
قَوْلُهُ: (إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ) فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَهْدَتْ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ طَعَامًا فِي قَصْعَةٍ، فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ الْقَصْعَةَ بِيَدِهَا. . . الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حُمَيْدٍ بِهِ وَقَالَ: أَظُنُّهَا عَائِشَةَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّمَا أُبْهِمَتْ عَائِشَةُ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهَا، وَأنَّهُ مِمَّا لَا يَخْفَى وَلَا يَلْتَبِسُ أَنَّهَا هِيَ، لِأَنَّ الْهَدَايَا إِنَّمَا كَانَتْ تُهْدَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي بَيْتِهَا.
قَوْلُهُ: (فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْخَادِمِ، وَأَمَّا الْمُرْسِلَةُ فَهِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ؛ ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute