للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ وَهَذَا كُلُّهُ يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْأَصْمَعِيِّ: إِنَّ الْمَنُونَ وَاحِدٌ لَا جَمْعَ لَهُ، وَيَبْعُدُ قَوْلُ الْأَخْفَشِ إنَّهُ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ الدَّاوُدِيِّ: إِنَّ الْمَنُونَ جَمْعُ مَنِيَّةٍ فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ، مَعَ بُعْدِهِ مِنَ الِاشْتِقَاقِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ غَيْرُهُ: يَتَنَازَعُونَ: يَتَعَاطَوْنَ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَصَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِهِ، وَزَادَ: أَيْ يَتَدَاوَلُونَ. قَالَ الشَّاعِرُ:

نَازَعَتْهُ الرَّاحُ حَتَّى وَقَفَهُ السَّارِي.

[١ - باب]

٤٨٥٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابنة أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ.

٤٨٥٤ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثُونِي، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ - كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ أَنِّي أَشْتَكِي) أَيْ أَنَّهَا كَانَتْ ضَعِيفَةً لَا تَقْدِرُ عَلَى الطَّوَافِ مَاشِيَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْحَجِّ.

قَالَ سُفْيَانُ: فَأَمَّا أَنَا فَإِنَّمَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ زَادَ الَّذِي قَالُوا لِي.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ (قَالَ: حَدَّثُونِي عَنِ الزُّهْرِيِّ) اعْتَرَضَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ، وَابْنِ أَبِي عُمَرَ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: فَصَرَّحَا عَنْهُ بِالسَّمَاعِ، وَهُمَا ثِقَتَانِ.

قُلْتُ: وَهُوَ اعْتِرَاضٌ سَاقِطٌ؛ فَإِنَّهُمَا مَا أَوْرَدَا مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الَّتِي صَرَّحَ الْحُمَيْدِيُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهَا مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَإِنَّمَا بَلَغَتْهُ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ.

قَوْلُهُ: (كَادَ قَلْبِي يَطِيرُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَأَنَّهُ انْزَعَجَ عِنْدَ سَمَاعِ هَذِهِ الْآيَةِ لِفَهْمِهِ مَعْنَاهَا وَمَعْرِفَتِهِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ، فَفَهِمَ الْحُجَّةَ فَاسْتَدْرَكَهَا بِلَطِيفِ طَبْعِهِ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسُوا أَشَدَّ خَلْقًا مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَتَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، أَيْ هَلْ خُلِقُوا بَاطِلًا لَا يُؤْمَرُونَ وَلَا يُنْهَوْنَ؟ وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ خَالِقٍ؟ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ خَالِقٍ، وَإِذَا أَنْكَرُوا الْخَالِقَ فَهُمُ الْخَالِقُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَذَلِكَ فِي الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ أَشَدُّ، لِأَنَّ مَا لَا وُجُودَ لَهُ كَيْفَ يَخْلُقُ، وَإِذَا بَطَلَ الْوَجْهَانِ قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ خَالِقًا. ثُمَّ قَالَ: ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ أَيْ إِنْ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَدَّعُوا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ فَلْيَدَّعُوا خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُمْ، فَقَامَتِ الْحُجَّةُ. ثُمَّ قَالَ: ﴿بَلْ لا يُوقِنُونَ﴾ فَذَكَرَ الْعِلَّةَ الَّتِي عَاقَتْهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ وَهُوَ عَدَمُ الْيَقِينِ الَّذِي هُوَ مَوْهِبَةٌ مِنَ اللَّهِ وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِتَوْفِيقِهِ، فَلِهَذَا انْزَعَجَ جُبَيْرٌ حَتَّى كَادَ قَلْبُهُ يَطِيرُ، وَمَالَ إِلَى الْإِسْلَامِ. انْتَهَى. وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَمَّا بَلَغَ