بِمَنْ كَانَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ، وَأَوْجَبُوا الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَهَا، وَفَرَّقُوا بِالنَّهْيِ عَنْ إِبْطَالِ الْعِبَادَةِ، وَالنَّهْيُ عَنْ إِبْطَالِ الْعِبَادَةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى صِحَّتِهَا، فَلَا مَعْنَى لِلتَّفْرِيقِ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذَا التَّخَيُّلَ إِنْ كَانَ نَاقِضًا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِيهَا كَبَقِيَّةِ النَّوَاقِضِ.
قَوْلُهُ: (لَا يَنْفَتِلْ) بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّ لَا نَافِيَةٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْ لَا يَنْصَرِفُ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَكَأَنَّهُ مِنْ عَلِيٍّ ; لِأَنَّ الرُّوَاةَ غَيْرَهُ رَوَوْهُ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظٍ لَا يَنْصَرِفُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ.
قَوْلُهُ: (صَوْتًا) أَيْ: مِنْ مَخْرَجِهِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَجِدُ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَعَبَّرَ بِالْوِجْدَانِ دُونَ الشَّمِّ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ لَمَسَ الْمَحَلَّ ثُمَّ شَمَّ يَدَهُ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَمْسَ الدُّبُرِ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّ الصُّورَةَ تُحْمَلُ عَلَى لَمْسِ مَا قَارَبَهُ لَا عَيْنِهِ.
وَدَلَّ حَدِيثُ الْبَابِ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنِ الْحَدَثَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَخْصِيصَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ بِالْيَقِينِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى إِذَا كَانَ أَوْسَعَ مِنَ اللَّفْظِ كَانَ الْحُكْمُ لِلْمَعْنَى قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي حُكْمِ بَقَاءِ الْأَشْيَاءِ عَلَى أُصُولِهَا حَتَّى يُتَيَقَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ الطَّارِئُ عَلَيْهَا. وَأَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ النَّقْضُ مُطْلَقًا، وَرُوِيَ عَنْهُ النَّقْضُ خَارِجَ الصَّلَاةِ دُونَ دَاخِلِهَا، وَرُوِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالْأَوَّلُ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ. وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ. وَرِوَايَةُ التَّفْصِيلِ لَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ وَإِنَّمَا هِيَ لِأَصْحَابِهِ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ كَانَ بِهِ وَسْوَاسٌ، وَتَمَسَّكَ بِأَنَّ الشَّكْوَى لَا تَكُونُ إِلَّا عَنْ عِلَّةٍ، وَأُجِيبَ بِمَا دَلَّ عَلَى التَّعْمِيمِ، وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا وَقَوْلُهُ: فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ أَيْ: مِنَ الصَّلَاةِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ.
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ رَاجِحٌ ; لِأَنَّهُ احْتَاطَ لِلصَّلَاةِ وَهِيَ مَقْصِدٌ، وَأَلْغَى الشَّكَّ فِي السَّبَبِ الْمُبْرِئِ، وَغَيْرُهُ احْتَاطَ لِلطَّهَارَةِ وَهِيَ وَسِيلَةٌ وَأَلْغَى الشَّكَّ فِي الْحَدَثِ النَّاقِضِ لَهَا، وَالِاحْتِيَاطُ لِلْمَقَاصِدِ أَوْلَى مِنَ الِاحْتِيَاطِ لِلْوَسَائِلِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ قَوِيٌّ ; لَكِنَّهُ مُغَايِرٌ لِمَدْلُولِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِعَدَمِ الِانْصِرَافَ إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُسْتَدَلُّ بِهِ لِمَنْ أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ وِجْدَانَ الرِّيحِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَالشُّبْهَةُ هُنَا قَائِمَةٌ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مُتَحَقِّقٌ.
٥ - بَاب التَّخْفِيفِ فِي الْوُضُوءِ
١٣٨ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ صَلَّى - وَرُبَّمَا قَالَ: اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى -. ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ النَّبِيُّ ﷺ، فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا - يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ - وَقَامَ يُصَلِّي، فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ - وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: عَنْ شِمَالِهِ - فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ