إِلَّا بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِنَّ خَالَتِي ذَهَبَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي شَاكٍ، فَادْعُ اللَّهَ لَهُ قَالَ: فَدَعَا لِي ﷺ.
قَوْلُهُ: (بَابُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ كَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي زَيْدٍ مِنْ رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ عَنْهُ وَكَرِيمَةَ، وَكَذَا لِلنَّسَفِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَضَمَّهُ بَعْضُهُمْ إِلَى الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَلَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ لَهُ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَصْلًا مِنَ الَّذِيَ قَبْلَهُ، بَلْ هُوَ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ، نَعَمْ وَجَّهَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَإِنْ كَانَ ذَا اسْمٍ وَكُنْيَةٍ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنَادَى بِشَيْءٍ مِنْهُمَا، بَلْ يُقَالُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمَا خَاطَبَتْهُ خَالَةُ السَّائِبِ لَمَّا أَتَتْ بِهِ إِلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ.
قَوْلُهُ: (جَلْدًا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ قَوِيًّا صُلْبًا.
قَوْلُهُ: (ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَآهُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ، لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ يَوْمَ مَاتَ النَّبِيُّ ﷺ ثَمَانُ سِنِينَ كَمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِهِ، فَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ الْوَاقِدِيِّ: إِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ قَوْلِهِ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ مَاتَ قَبْلَ التِّسْعِينَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَهُوَ أَشْبَهُ، قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: هُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَقِيلَ: بَلْ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ فَإِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ.
٢٢ - بَاب خَاتِمِ النُّبُوَّةِ
٣٥٤١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقَعَ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتِمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ.
قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: الْحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ: مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ) أَيْ صِفَتُهُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ مِنْ عَلَامَاتِهِ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَعْرِفُونَهُ بِهَا، وَادَّعَى عِيَاضٌ هُنَا أَنَّ الْخَاتَمَ هُوَ أَثَرُ شَقِّ الْمَلَكَيْنِ لِمَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: هَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الشَّقَّ إِنَّمَا كَانَ فِي صَدْرِهِ وَبَطْنِهِ، وَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، وَأَثَرُهُ إِنَّمَا كَانَ خَطًّا وَاضِحًا مِنْ صَدْرِهِ إِلَى مَرَاقِّ بَطْنِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.
قَالَ: وَلَمْ يَثْبُتْ قَطُّ أَنَّهُ بَلَغَ بِالشَّقِّ حَتَّى نَفَذَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ لَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيلًا مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ إِلَى قُطْنَتِهِ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يُحَاذِي الصَّدْرَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى مَرَاقِّ بَطْنِهِ، قَالَ: فَهَذِهِ غَفْلَةٌ مِنْ هَذَا الْإِمَامِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْ بَعْضِ نُسَّاخِ كِتَابِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ عَلَيْهِ فِيمَا عَلِمْتُ، كَذَا قَالَ، وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى مُسْتَنَدِ الْقَاضِي وَهُوَ حَدِيثُ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ؟ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي ارْتِضَاعِهِ فِي بَنِي سَعْدٍ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَلَكَيْنِ لَمَّا شَقَّا صَدَرَهُ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: خِطْهُ، فَخَاطَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ انْتَهَى.
فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ حَمَلَ ذَلِكَ عِيَاضٌ عَلَى أَنَّ الشَّقَّ لَمَّا وَقَعَ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ خِيطَ حَتَّى الْتَأَمَ كَمَا كَانَ وَوَقَعَ الْخَتْمُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ كَانَ ذَلِكَ أَثَرَ الشِّقِّ، وَفَهِمَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّقِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَثَرِ الْخَتْمِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَالدَّلَائِلُ لِأَبِي نُعَيْمٍ: إِنَّ الْمَلَكَ لَمَّا أَخْرَجَ قَلْبَهُ وَغَسَلَهُ خَتَمَ، ثُمَّ أَعَادَهُ عَلَيْهِ بِخَاتَمٍ فِي يَدِهِ مِنْ نُورٍ فَامْتَلَأَ نُورًا