وَذَلِكَ نُورُ النُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظَهَرَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ عِنْدَ كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَالْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ، وَالدَّلَائِلِ لِأَبِي نُعَيْمٍ أَيْضًا أَنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لَمَّا تَرَاءَيَا لَهُ عِنْدَ الْمَبْعَثِ هَبَطَ جِبْرِيلُ فَسَلَقَنِي لِحَلَاوَةِ الْقَفَا، ثُمَّ شَقَّ عَنْ قَلْبِي فَاسْتَخْرَجَهُ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أَعَادَهُ مَكَانَهُ، ثُمَّ لَأَمَهُ ثُمَّ أَلْقَانِي وَخَتَمَ فِي ظَهْرِي حَتَّى وَجَدْتُ مَسَّ الْخَاتَمِ فِي قَلْبِي وَقَالَ: اقْرَأْ الْحَدِيثَ.
هَذَا مُسْتَنَدُ الْقَاضِي فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْخَاتَمَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حِينَ وِلَادَتِهِ، فَفِيهِ تَعْقِيبٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ وُلِدَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ نَقَلَهُ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ بِلَفْظِ قِيلَ: وُلِدَ بِهِ وَقِيلَ: حِينَ وُضِعَ نَقَلَهُ مُغَلْطَايْ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَائِذٍ، وَالَّذِي تَقَدَّمَ أَثْبَتُ. وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ وَفِيهِ: وَجَعَلَ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفِي كَمَا هُوَ الْآنَ، وَفِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ فِي الْمَغَازِي لِابْنِ عَائِدٍ فِي قِصَّةِ شَقِّ صَدْرِهِ وَهُوَ فِي بِلَادِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وَأَقْبَلَ وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ لَهُ شُعَاعٌ فَوَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَثَدْيَيْهِ الْحَدِيثَ، وَهَذَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْخَتْمَ وَقَعَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ جَسَدِهِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِالتَّصْغِيرِ، هُوَ أَبُو ثَابِتٍ الْمَدَنِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ، وَأَصْلُ شَيْخِهِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ كُوفِيٌّ.
قَوْلُهُ: (ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا، وَأَمَّا أُمُّهُ فَاسْمُهَا عُلْبَةُ - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ - بِنْتُ شُرَيْحٍ أُخْتُ مَخْرَمَةَ بْنِ شُرَيْحٍ.
قَوْلُهُ: (وَقِعٌ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَبِالتَّنْوِينِ أَيْ وَجِعٌ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ، وَقَدْ مَضَى فِي الطَّهَارَةِ بِلَفْظِ وَجِعَ، وَجَاءَ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَكِي رِجْلَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ.
قَوْلُهُ: (فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ) سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ) فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ إِلَى جِهَةِ كَتِفهِ الْيُسْرَى.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: الْحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ: مِثْلُ زِرِّ الْحُجْلَةِ) قُلْتُ: هَكَذَا وَقَعَ، وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ ; لِأَنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ شَيْخِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنْ يُفَسِّرَ الْحُجْلَةَ، وَلَمْ يَقَعْ لَهَا فِي سِيَاقِهِ ذِكْرٌ، وَكَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ مِثْلُ زِرِّ الْحُجْلَةِ ثُمَّ فَسَرَّهَا، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي أَصْلِ النَّسَفِيِّ تَضْبِيبٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَمَّا التَّعْلِيقُ عَنِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ خَالَفَ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ عَنْهُ مَوْصُولًا بِتَمَامِهِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ.
وَقَدْ زَعَمَ ابْنُ التِّينِ أَنَّهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حَمْزَةَ بِفَتْحِهِمَا، وَحَكَى ابْنُ دِحْيَةَ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِي الْأَوَّلِ كَسْرَ الْمُهْمَلَةِ مَعَ ضَمِّهَا، وَقِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ رِوَايَةِ ابْنِ حَمْزَةَ، وَابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَرِوَايَةَ ابْنِ حَمْزَةَ بِالْعَكْسِ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ ارْتُزَّ الشَّيْءُ إِذَا دَخَلَ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْهُ الرَّزَّةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْبَيْضَةُ يُقَالُ: ارْتَزَّتِ الْجَرَادَةُ إِذَا أَدْخَلَتْ ذَنَبَهَا فِي الْأَرْضِ لِتَبِيضَ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْحُجْلَةِ الطَّيْرُ الْمَعْرُوفُ.
وَجَزَمَ السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُجْلَةِ هُنَا الْكِلَّةُ الَّتِي تُعَلَّقُ عَلَى السَّرِيرِ وَيُزَيَّنُ بِهَا لِلْعَرُوسِ كَالْبَشْخَانَاتِ، وَالزِّرُّ عَلَى هَذَا حَقِيقَةٌ لِأَنَّهَا تَكُونُ ذَاتَ أَزْرَارٍ وَعُرًى، وَاسْتُبْعِدَ قَوْلُ ابْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِأَنَّهَا مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ بِأَنَّ التَّحْجِيلَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَوَائِمِ، وَأَمَّا الَّذِي فِي الْوَجْهِ فَهُوَ الْغُرَّةُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُطْلِقُهُ عَلَى ذَلِكَ مَجَازًا، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا قَدْرُ الزِّرِّ، وَإِلَّا فَالْغُرَّةُ لَا زِرَّ لَهَا.
وَجَزَمَ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُجْلَةِ الطَّيْرُ الْمَعْرُوفُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِزِرِّهَا بَيْضُهَا، وَيُعَضِّدُهُ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ مِثْلُ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِي صِفَةِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَحَادِيثُ مُتَقَارِبَةٌ لِمَا ذُكِرَ هُنَا،