جَاءَتْ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَصَلَّتْ بِجَنْبِهِ.
وَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: الْأَقْرَبُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَصَدَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ: لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ يَعْنِي أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ إِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ خِلَافًا لِأَحْمَدَ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ كَانَ لِلرَّجُلِ أَوْلَى، لَكِنْ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا سَاغَ ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ أَنْ تَصُفَّ مَعَ الرِّجَالِ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصُفَّ مَعَهُمْ وَأَنْ يُزَاحِمَهُمْ وَأَنْ يَجْذِبَ رَجُلًا مِنْ حَاشِيَةِ الصَّفِّ فَيَقُومَ مَعَهُ (١) فَافْتَرَقَا. وَبَاقِي مَبَاحِثِهِ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ.
٧٩ - بَاب مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامِ
٧٢٨ - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: قُمْتُ لَيْلَةً أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ ﷺ، فَأَخَذَ بِيَدِي - أَوْ: بِعَضُدِي - حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِي.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامِ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُخْتَصَرًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلتَّرْجَمَةِ: أَمَّا لِلْإِمَامِ فَبِالْمُطَابَقَةِ، وَأَمَّا لِلْمَسْجِدِ فَبِاللُّزُومِ. وَقَدْ تُعُقِّبَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا وَرَدَ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا، أَمَّا إِذَا كَثُرُوا فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى فَضِيلَةِ مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ. وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلِأَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: أَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ مَيْسَرَةَ الْمَسْجِدِ تَعَطَّلَتْ، فَقَالَ: مَنْ عَمَّرَ مَيْسَرَةَ الْمَسْجِدِ كُتِبَ لَهُ كِفْلَانِ مِنَ الْأَجْرِ فَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَإِنْ ثَبَتَ فَلَا يُعَارِضُ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ لِمَعْنًى عَارِضٍ يَزُولُ بِزَوَالِهِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُوسَى) هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ، وَعَاصِمٌ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ بِيَدِهِ) أَيْ: تَنَاوَلَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: فَأَخَذَ بِيَدِي.
قَوْلُهُ: (مِنْ وَرَائِي) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: مِنْ وَرَائِهِ، وَهُوَ أَوْجَهُ.
٨٠ - بَاب إِذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ
وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ - وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ - إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ
٧٢٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ، وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ، فَقَامَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ، فَقَامَ مَعَهُ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، صَنَعُوا ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَخْرُجْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ فَقَالَ: إِنِّي خَشِيتُ أَنْ
(١) في جواز الجذب المذكور نظر، لأن الحديث الوارد فيه ضعيف، ولأن الجذب يفضى إلى إيجاد فرجة في الصف والمشروع سد الخلل، فالأولى ترك الجذب وأن يلتمس موضعا في الصف أو يقف عن يمين الامام. والله أعلم