وَفَقَهَ بِالْفَتْحِ إِذَا سَبَقَ غَيْرَهُ إِلَى الْفَهْمِ، وَفَقِهَ بِالْكَسْرِ إِذَا فَهِمَ. وَنَكَّرَ خَيْرًا لِيَشْمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّعْظِيمِ، لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِيهِ. وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ - أَيْ: يَتَعَلَّمْ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنَ الْفُرُوعِ - فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: وَمَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ لَمْ يُبَالِ اللَّهُ بِهِ وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ ; لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمُورَ دِينِهِ لَا يَكُونُ فَقِيهًا وَلَا طَالِبَ فِقْهٍ، فَيَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ الْخَيْرُ، وَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ ظَاهِرٌ لِفَضْلِ الْعُلَمَاءِ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَلِفَضْلِ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ عَلَى سَائِرِ الْعُلُومِ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنَ الْخُمُسِ وَالِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ: لَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ، يَعْنِي بَعْضَ الْأُمَّةِ كَمَا يَجِيءُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
١٤ - بَاب الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ
٧٢ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ، فَقَالَ: إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا كَمَثَلِ الْمُسْلِمِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَسَكَتُّ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ هِيَ النَّخْلَةُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْفَهْمِ) أَيْ: فَضْلُ الْفَهْمِ (فِي الْعِلْمِ) أَيْ: فِي الْعُلُومِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ) فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْمَدِينِيِّ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ) فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ.
قَوْلُهُ: (صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ) فِيهِ مَا كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ مِنْ تَوَقِّي الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ خَشْيَةَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَهَذِهِ كَانَتْ طَرِيقَةَ ابْنِ عُمَرَ وَوَالِدِهِ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ، وَإِنَّمَا كَثُرَتْ أَحَادِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَعَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَفْتِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَتْنِ حَدِيثِ الْبَابِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعِلْمِ. وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمَّا ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ إِحْضَارِ الْجُمَّارِ إِلَيْهِ فَهِمَ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ النَّخْلَةُ، فَالْفَهْمُ فِطْنَةٌ يَفْهَمُ بِهَا صَاحِبُهَا مِنَ الْكَلَامِ مَا يَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا، فَتَعَجَّبَ النَّاسُ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ فَهِمَ مِنَ الْمَقَامِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ هُوَ الْمُخَيَّرٌ، فَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ. وَاللَّهُ الْهَادِي إِلَى الصَّوَابِ.
١٥ - بَاب الِاغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَقَالَ عُمَرُ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَبَعْدَ أَنْ تُسَوَّدُوا وَقَدْ تَعَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ فِي كِبَرِ سِنِّهِمْ
٧٣ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَلَى غَيْرِ مَا حَدَّثَنَاهُ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا.
[الحديث ٧٣ - أطرافه في: ٧٣١٦، ٧١٤١، ١٤٠٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute