للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصَّدَقَةِ الْمُطْلَقَةِ ثُمَّ يُعَيِّنُهَا الْمُتَصَدِّقُ لِمَنْ يُرِيدُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِلْجُمْهُورِ فِي أَنَّ مَنْ أَوْصَى أَنْ يُفَرَّقَ ثُلُثُ مَالِهِ حَيْثُ أَرَى اللَّهُ الْوَصِيَّ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ وَيُفَرِّقُهُ الْوَصِيُّ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يُعْطِي مِنْهُ وَارِثًا لِلْمَيِّتِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو ثَوْرٍ وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي.

وَفِيهِ جَوَازُ التَّصَدُّقِ مِنَ الْحَيِّ فِي غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ أَبَا طَلْحَةَ عَنْ قَدْرِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ وَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الثُّلُثُ كَثِيرٌ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ مِنَ الْأَقَارِبِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَفِيهِ جَوَازُ إِضَافَةِ حُبِّ الْمَالِ إِلَى الرَّجُلِ الْفَاضِلِ الْعَالِمِ وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الْإِنْسَانِ: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ وَالْخَيْرُ هُنَا الْمَالُ اتِّفَاقًا، وَفِيهِ اتِّخَاذُ الْحَوَائِطِ وَالْبَسَاتِينِ وَدُخُولُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ فِيهَا وَالِاسْتِظْلَالُ بِظِلِّهَا وَالْأَكْلُ مِنْ ثَمَرِهَا وَالرَّاحَةُ وَالتَّنَزُّهُ فِيهَا، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ إِذَا قَصَدَ بِهِ إِجْمَامَ النَّفْسِ مِنْ تَعَبِ الْعِبَادَةِ وَتَنْشِيطِهَا لِلطَّاعَةِ، وَفِيهِ كَسْبُ الْعَقَارِ، وَإِبَاحَةُ الشُّرْبِ مِنْ دَارِ الصَّدِيقِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا إِذَا عَلِمَ طِيبَ نَفْسِهِ، وَفِيهِ إِبَاحَةُ اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ وَتَفْضِيلُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَفِيهِ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ؛ لِأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ تَنَاوُلَ ذَلِكَ بِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ، فَلَمْ يَقِفْ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ عَنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ بَلْ بَدَرَ إِلَى إِنْفَاقِ مَا يُحِبُّهُ، وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ عَلَى ذَلِكَ.

اسْتُدِلَّ بِهِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَصِحُّ بِالْقَوْلِ مِنْ قَبْلِ الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَتْ لِمُعَيَّنٍ اسْتَحَقَّ الْمُطَالَبَةَ بِقَبْضِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْقَائِلِ، وَكَانَ لِلْإِمَامِ صَرْفُهُ فِي سَبِيلِ الصَّدَقَةِ، وَكُلُّ هَذَا مَا إِذَا لَمْ يَظْهَرْ مُرَادُ الْمُتَصَدِّقِ، فَإِنْ ظَهَرَ اتُّبِعَ. وَفِيهِ جَوَازُ تَوَلِّي الْمُتَصَدِّقِ قَسْمَ صَدَقَتِهِ، وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ الْغَنِيِّ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إِذَا حَصَلَ لَهُ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْحَبْسِ وَالْوَقْفِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةَ أَبِي طَلْحَةَ تَمْلِيكًا وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ إِسْحَاقَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ زِيَادَةُ الصَّدَقَةِ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى قَدْرِ نِصَابِ الزَّكَاةِ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَهَا بِهِ، وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي طَلْحَةَ لِأَنَّ الْآيَةَ تَضَمَّنَتِ الْحَثَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنَ الْمَحْبُوبِ فَتَرَقَّى هُوَ إِلَى إِنْفَاقِ أَحَبِّ الْمَحْبُوبِ فَصَوَّبَ رَأْيَهُ وَشَكَرَ عَنْ رَبِّهِ فِعْلَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهَا أَهْلَهُ، وَكَنَّى عَنْ رِضَاهُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: بَخْ. وَفِيهِ أَنَّ الْوَقْفَ يَتِمُّ بِقَوْلِ الْوَاقِفِ جَعَلْتُ هَذَا وَقْفًا، وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ قَبْلَ أَبْوَابٍ، وَأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْجِهَةِ الْعَامَّةِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى قَبُولِ مُعَيَّنٍ، بَلْ لِلْإِمَامِ قَبُولَهَا مِنْهُ وَوَضْعَهَا فِيمَا يَرَاهُ كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي طَلْحَةَ.

وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْقَرَابَةِ مَنْ يَجْمَعُهُ وَالْوَاقِفَ أَبٌ مُعَيَّنٌ لَا رَابِعٌ وَلَا غَيْرُهُ، لِأَنَّ أُبَيًّا إِنَّمَا يَجْتَمِعُ مَعَ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْأَبِ السَّادِسِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْقَرِيبِ عَلَى الْقَرِيبِ الْأَبْعَدِ، لِأَنَّ حَسَّانًا وَأَخَاهُ أَقْرَبُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُبَيٍّ، وَنُبَيْطٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَشْرَكَ مَعَهُمَا أُبَيًّا، وَنُبَيْطَ بْنَ جَابِرٍ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ لِأَنَّ بَنِي حَرَامٍ الَّذِي اجْتَمَعَ فِيهِ أَبُو طَلْحَةَ، وَحَسَّانُ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ كَثِيرًا فَضْلًا عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الَّذِي يَجْمَعُ أَبَا طَلْحَةَ، وَأُبَيًّا.

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَجُلًا) هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

٢٧ - بَاب إِذَا وَقَفَ جَمَاعَةٌ أَرْضًا مُشَاعًا فَهُوَ جَائِزٌ

٢٧٧١ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا، قَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ.