لِمَا وَقَعَ مِنْ أَهْلِهِ مِنْ نَصْرِ التَّوْحِيدِ.
قَوْلُهُ: (قَالَهُ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْبَزَّارُ فِي الزَّكَاةِ مُطَوَّلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ مَا فِيهِ هُنَاكَ، إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأُحُدٍ. وَنَسَبَهُ مُغَلْطَايْ إِلَى تَخْرِيجِهِ مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا خَرَّجَ هُنَاكَ أَصْلَهُ دُونَ خُصُوصِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ.
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي أَبِي) هُوَ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ.
قَوْلُهُ: (هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) ظَهَرَ مِنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا أَنَّهُ ﷺ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا رَآهُ فِي حَالِ رُجُوعِهِ مِنَ الْحَجِّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حُمَيْدٍ، أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ وَأَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: هَذِهِ طَابَةُ، فَلَمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، فَكَأَنَّهُ ﷺ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ. وَلِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَالتَّقْدِيرُ: أَهْلُ أُحُدٍ، وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْأَنْصَارُ؛ لِأَنَّهُمْ جِيرَانُهُ. ثَانِيهَا: أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِلْمَسَرَّةِ بِلِسَانِ الْحَالِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ لِقُرْبِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَلُقْيَاهُمْ، وَذَلِكَ فِعْلُ مَنْ يُحِبُّ بِمَنْ يُحِبُّ. ثَالِثُهَا: أَنَّ الْحُبَّ مِنَ الْجَانِبَيْنِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِهِ لِكَوْنِ أُحُدٍ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ مَرْفُوعًا: جَبَلُ أُحُدٍ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، وَهُوَ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.
وَلَا مَانِعَ فِي جَانِبِ الْبَلَدِ مِنْ إِمْكَانِ الْمَحَبَّةِ مِنْهُ كَمَا جَازَ التَّسْبِيحُ مِنْهَا، وَقَدْ خَاطَبَهُ ﷺ مُخَاطَبَةَ مَنْ يَعْقِلُ، فَقَالَ: لَمَّا اضْطَرَبَ: اسْكُنْ أُحُدُ الْحَدِيثَ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: كَانَ ﷺ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ وَالِاسْمَ الْحَسَنَ وَلَا اسْمَ أَحْسَنُ مِنِ اسْمٍ مُشْتَقٍّ مِنَ الْأَحَدِيَّةِ. قَالَ: وَمَعَ كَوْنِهِ مُشْتَقًّا مِنَ الْأَحَدِيَّةِ، فَحَرَكَاتُ حُرُوفِهِ الرَّفْعُ، وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِارْتِفَاعِ دِينِ الْأَحَدِ وَعُلُوِّهِ، فَتَعَلُّقُ الْحُبِّ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى فَخُصَّ مِنْ بَيْنِ الْجِبَالِ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ فِي بَابِ مَنْ غَزَا بِصَبِيٍّ لِلْخِدْمَةِ مِنْ كتاب الْجِهَادِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِي صَلَاتِهِ ﷺ عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.
٢٨ - بَاب غَزْوَةِ الرَّجِيعِ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبِئْرِ مَعُونَةَ وَحَدِيثِ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ وَعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ، وَخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ
٤٠٨٦ - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ، وَهُوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ، يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لَحْيَانَ، فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلًا نَزَلُوهُ، فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ، فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ، وَبَقِيَ خُبَيْبٌ، وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ فَأَعْطَوْهُمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَلَمَّا أَعْطَوْهُمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ نَزَلُوا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَجَرَّرُوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute