للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ: إِنْ كَانَ يُسْمَعُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى، وَلَيْسَ فِي النَّفْخِ مِنَ النُّطْقِ بِالْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْبُصَاقِ مِنَ النُّطْقِ بِالتَّاءِ وَالْفَاءِ. قَالَ: وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْبُصَاقِ فِي الصَّلَاةِ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ النَّفْخِ فِيهَا، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مَعَهُ فِي التَّرْجَمَةِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ، وَالْمُصَحَّحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ مِنَ النَّفْخِ، أَوِ التَّنَخُّمِ، أَوِ الْبُكَاءِ، أَوِ الْأَنِينِ، أَوِ التَّأَوُّهِ، أَوِ التَّنَفُّسِ، أَوِ الضَّحِكِ، أَوِ التَّنَحْنُحِ حَرْفَانِ بَطَلَتِ الصَّلَاةُ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْحَرْفَيْنِ يَتَأَلَّفُ مِنْهُمَا الْكَلَامُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ حَرْفَيْنِ كَلَامًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْإِبْطَالُ بِهِ لَا يَكُونُ بِالنَّصِّ، بَلْ بِالْقِيَاسِ، فَلْيُرَاعَ شَرْطُهُ فِي مُسَاوَاةِ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ، قَالَ: وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُنْظُرَ إِلَى مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ، حَيْثُ لَا يُسَمَّى الْمَلْفُوظُ بِهِ كَلَامًا، فَمَا أُجْمِعَ عَلَى إِلْحَاقِهِ بِالْكَلَامِ أُلْحِقَ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا.

قَالَ: وَمِنْ ضَعِيفِ التَّعْلِيلِ قَوْلُهُمْ: إِبْطَالُ الصَّلَاةِ بِالنَّفْخِ بِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْكَلَامَ، فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ لِثُبُوتِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ نَفَخَ فِي الْكُسُوفِ. انْتَهَى.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ نَفْخَهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْحُرُوفِ، وَرُدَّ بِمَا ثَبَتَ فِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّ فِيهِ: ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ، فَقَالَ: أُفْ أُفْ. فَصَرَّحَ بِظُهُورِ الْحَرْفَيْنِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ، فَجَعَلْتُ أَنْفُخُ خَشْيَةَ أَنْ يَغْشَاكُمْ حَرُّهَا. وَالنَّفْخُ لِهَذَا الْغَرَضِ لَا يَقَعُ إِلَّا بِالْقَصْدِ إِلَيْهِ، فَانْتَفَى قَوْلُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْغَلَبَةِ، وَالزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، وَقَدْ سُمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ فِي قَوْلِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ بأَنَّ أُفْ لَا تَكُونُ كَلَامًا حَتَّى يُشَدَّدَ الْفَاءُ، قَالَ: وَالنَّافِخُ فِي نَفْخِةٍ لَا يُخْرِجُ الْفَاءَ صَادِقَةً مِنْ مَخْرَجِهَا، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْحَرْفَيْنِ كَلَامٌ مُبْطِلٌ، أَفْهَمَا أَوْ لَمْ يُفْهِمَا، وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ.

(تَنْبِيهَانِ): (الْأَوَّلُ): نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الضَّحِكَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِحَرْفٍ وَلَا حَرْفَيْنِ، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ أَنَّ الضَّحِكَ يَهْتِكُ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْبُكَاءِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ: إِنْ كَانَ الْبُكَاءُ مِنْ أَجْلِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا. (الثَّانِي) وَرَدَ فِي كَرَاهَةِ النَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: رَأَى النَّبِيُّ غُلَامًا لَنَا - يُقَالُ لَهُ: أَفْلَحُ - إِذَا سَجَدَ نَفَخَ، فَقَالَ: يَا أَفْلَحُ، تَرِّبْ وَجْهَكَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ. قُلْتُ: وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى إِبْطَالِ الصَّلَاةِ بِالنَّفْخِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، وإِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ: تَرِّبْ وَجْهَكَ؛ اسْتِحْبَابُ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ، فَهُوَ نَحْوُ النَّهْيِ عَنْ مَسْحِ الْحَصَى.

وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَعَنْ أَنَسٍ، وَبُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا، وَثَبَتَ كَرَاهَةُ النَّفْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالرُّخْصَةُ فِيهِ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.

١٣ - بَاب مَنْ صَفَّقَ جَاهِلًا مِنْ الرِّجَالِ فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ

فِيهِ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ صَفَّقَ جَاهِلًا مِنَ الرِّجَالِ فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، فِيهِ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ . يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِهِ الْآتِي بَعْدَ بَابَيْنِ، لَكِنَّهُ بِلَفْظِ: مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ أَخَذْتُمْ بِالتَّصْفِيحِ. وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابٍ