إِيرَادِ حَدِيثَيْ أَنَسٍ مَعَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ حَالَفَ بَيْنَهُمْ أَيْ: آخَى بَيْنَهُمْ، يُرِيدُ أَنَّ مَعْنَى الْحِلْفِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَعْنَى الْأُخُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ، لَكِنَّهُ فِي الْإِسْلَامِ جَارٍ عَلَى أَحْكَامِ الدِّينِ وَحُدُودِهِ، وَحِلْفُ الْجَاهِلِيَّةِ جَرَى عَلَى مَا كَانُوا يَتَوَاضَعُونَهُ بَيْنَهُمْ بِآرَائِهِمْ، فَبَطَلَ مِنْهُ مَا خَالَفَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ، وَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى حَالِهِ. وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْحِلْفِ الْوَاقِعِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الآيةِ الْمَذْكُورَةِ جَاهِلِيٌّ وَمَا بَعْدَهَا إِسْلَامِيٌّ. وَعَنْ عَلِيٍّ مَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ: ﴿لإِيلافِ قُرَيْشٍ﴾ جَاهِلِيٌّ. وَعَنْ عُثْمَانَ: كُلُّ حِلْفٍ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ جَاهِلِيٌّ، وَمَا بَعْدَهَا إِسْلَامِيٌّ. وَعَنْ عُمَرَ: كُلُّ حِلْفٍ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ فَهُوَ مَشْدُودٌ، وَكُلُّ حِلْفٍ بَعْدَهَا مَنْقُوضٌ، أَخْرَجَ كُلَّ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بِأَسَانِيدِهِ إِلَيْهِمْ، وَأَظُنُّ قَوْلَ عُمَرَ أَقْوَاهَا، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْمَذْكُورَاتِ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ حِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالَّذِي فِي حَدِيثِ عُمَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ.
٣ - بَاب مَنْ تَكَفَّلَ عَنْ مَيِّتٍ دَيْنًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ
٢٢٩٥ - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ﵁، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟ قَالُوا لَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فصَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ
٢٢٩٦ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵃ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ ﷺ، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، فَحَثَى لِي حَثْيَةً فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُ مِائَةٍ وَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا.
[الحديث ٢٣٦٩ - أطرافه في: ٢٥٩٨، ٢٦٨٣، ٣١٣٧، ٤٣٨٣]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ تَكَفَّلَ عَنْ مَيِّتٍ دَيْنًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ). يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، أَيْ: عَنِ الْكَفَالَةِ بَلْ هِيَ لَازِمَةٌ لَهُ، وَقَدِ اسْتَقَرَّ الْحَقُّ فِي ذِمَّتِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ بِالْقَدْرِ الَّذِي تَكَفَّلَ بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِمَقْصُودِهِ. ثُمَّ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ بَابَيْنِ، وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِيهِ. وَوَجْهُ الْأَخْذِ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَبِي قَتَادَةَ أَنْ يَرْجِعَ لَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الْمِدْيَانِ حَتَّى يُوفِيَ أَبُو قَتَادَةَ الدَّيْنَ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَكُونَ قَدْ صَلَّى عَلَى مِدْيَانٍ دَيْنُهُ بَاقٍ عَلَيْهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ. (تَنْبِيهٌ): اقْتَصَرَ فِي هَذِهِ الطُّرُقِ عَلَى ذِكْرِ اثْنَيْنِ مِنَ الْأَمْوَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ تَامًّا، وَقَدْ سَاقَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هُنَا تَامًّا وَسَاقَ فِي قِصَّتِهِ الْمَحْذُوفَ أَنَّهُ ﵊ قَالَ: ثَلَاثُ كَيَّاتٍ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ فَلَمْ يُعْجِبْهُ أَنْ يَدَّخِرَ شَيْئًا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ ضَمَانِ مَا عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ دَيْنٍ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute