للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ: فَلَعَلَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ دَخَلَ لَهُ بَابٌ فِي بَابٍ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ يَلِيقُ بِحَدِيثِ سَالِمٍ الَّذِي فِي الْبَابِ الْمَاضِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ قَصَدَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ جَزَمَ بِأَنَّ رِوَايَةَ نَافِعٍ لِأَصْلِ الْحَدِيثِ مَوْقُوفَةٌ وَأَنَّهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ سَالِمًا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا التَّعْلِيقِ أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى نَافِعٍ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ لَا خُصُوصِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ نَافِعًا كَانَ يَرْوِيهِ مَوْقُوفًا ثُمَّ يُعْقِبُهُ بِالرَّفْعِ، فَكَأَنَّهُ كَانَ أَحْيَانًا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَوْقُوفِ أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٨٧ - بَاب وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى

٧٤٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ . قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ: يَنْمِي.

قَوْلُهُ: (بَابُ وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ) أَيْ: فِي حَالِ الْقِيَامِ.

قَوْلُهُ: (كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ) هَذَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ لَهُمْ بِذَلِكَ هُوَ النَّبِيُّ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (عَلَى ذِرَاعِهِ) أَبْهَمَ مَوْضِعَهُ مِنَ الذِّرَاعِ، وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ: ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغَ وَالسَّاعِدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ، وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَالرُّسْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ هُوَ الْمَفْصِلُ بَيْنَ السَّاعِدِ وَالْكَفِّ، وَسَيَأْتِي أَثَرُ عَلِيٍّ نَحْوُهُ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا مَحَلَّهُمَا مِنَ الْجَسَدِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّهُ وَضَعَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ، وَالْبَزَّارُ عِنْدَ صَدْرِهِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي حَدِيثِ هُلْبٍ الطَّائِيِّ نَحْوُهُ. وَهُلْبٌ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، وَفِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ وَضَعَهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

وَاعْتَرَضَ الدَّانِيُّ فِي أَطْرَافِ الْمُوَطَّأِ فَقَالَ: هَذَا مَعْلُولٌ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ مِنْ أَبِي حَازِمٍ، وَرُدَّ بِأَنَّ أَبَا حَازِمٍ لَوْ لَمْ يَقُلْ لَا أَعْلَمُهُ إِلَخْ لَكَانَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نُؤْمَرُ بِكَذَا يُصْرَفُ بِظَاهِرِهِ إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ وَهُوَ النَّبِيُّ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ الشَّرْعِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَنْ صَدَرَ عَنْهُ الشَّرْعُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ بِذَلِكَ هُوَ النَّبِيُّ . وَأَطْلَقَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ السَّكَنِ شَيْءٌ يُسْتَأْنَسُ بِهِ عَلَى تَعْيِينِ الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ وَاضِعًا يَدِيَ الْيُسْرَى عَلَى يَدِي الْيُمْنَى فَنَزَعَهَا وَوَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، قِيلَ: لَوْ كَانَ مَرْفُوعًا مَا احْتَاجَ أَبُو حَازِمٍ إِلَى قَوْلِهِ لَا أَعْلَمُهُ إِلَخْ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ الِانْتِقَالَ إِلَى التَّصْرِيحِ، فَالْأَوَّلُ لَا يُقَالُ لَهُ مَرْفُوعٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ: لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي هَذِهِ الْهَيْئَةِ أَنَّهُ صِفَةُ السَّائِلِ الذَّلِيلِ، وَهُوَ أَمْنَعُ مِنَ الْعَبَثِ وَأَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَحِظَ ذَلِكَ فَعَقَّبَهُ بِبَابِ الْخُشُوعِ. وَمِنَ اللَّطَائِفِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْقَلْبُ مَوْضِعُ النِّيَّةِ، وَالْعَادَةُ أَنَّ مَنِ احْتَرَزَ عَلَى حِفْظِ شَيْءٍ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يَأْتِ عَنِ النَّبِيِّ فِيهِ خِلَافٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرَهُ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ الْإِرْسَالَ، وَصَارَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَعَنْهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ الْإِمْسَاكَ. وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ يُمْسِكُ مُعْتَمِدًا لِقَصْدِ الرَّاحَةِ.