للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِذَا اتَّفَقَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِمَّا تَصَدَّقَ بِهِ لَا يَتْرُكُهُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِهِ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا لَا لِمَنْ يَرُدُّهَا صَدَقَةً. وَفِي الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ وَفَضْلُ الْحَمْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْإِعَانَةُ عَلَى الْغَزْوِ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّ الْحَمْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَمْلِيكٌ، وَأَنَّ لِلْمَحْمُولِ بَيْعَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِثَمَنِهِ. وَسَيَأْتِي تَكْمِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَبْوَابِ الْهِبَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

٦٠ - بَاب مَا يُذْكَرُ فِي الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ

١٤٩١ - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ : كِخْ كِخْ لِيَطْرَحَهَا ثُمَّ قَالَ: أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟

قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنَ الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ وَآلِهِ) لَمْ يُعَيِّنِ الْحُكْمَ لِشُهْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ. وَالنَّظَرُ فِيهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَوَّلُهَا الْمُرَادُ بِالْآلِ هُنَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، وَسَيَأْتِي دَلِيلُهُ فِي أَبْوَابِ الْخُمُسِ فِي آخِرِ الْجِهَادِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَشْرَكَهُمُ النَّبِيُّ فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى، وَلَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ غَيْرَهُمْ، وَتِلْكَ الْعَطِيَّةُ عِوَضٌ عُوِّضُوهُ بَدَلًا عَمَّا حُرِمُوهُ مِنَ الصَّدَقَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: بَنُو هَاشِمٍ فَقَطْ. وَعَنْ أَحْمَدَ فِي بَنِي الْمُطَّلِبِ رِوَايَتَانِ، وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا بَيْنَ هَاشِمٍ، وَغَالِبِ بْنِ فِهْرٍ قَوْلَانِ، فَعَنْ أَصْبَغَ مِنْهُمْ هُمْ بَنُو قُصَيٍّ، وَعَنْ غَيْرِهِ بَنُو غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ.

ثَانِيهَا: كَانَ يَحْرُمُ عَلَى النَّبِيِّ صَدَقَةُ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ، كَمَا نَقَلَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْخَطَّابِيُّ الْإِجْمَاعَ، لَكِنْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي التَّطَوُّعِ قَوْلًا، وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: لَا يَحِلُّ لِلنَّبِيِّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ الْأَمْوَالِ، وَالصَّدَقَةُ يَصْرِفُهَا الرَّجُلُ عَلَى مُحْتَاجٍ يُرِيدُ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا، أَلَيْسَ يُقَالُ: كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَيْسَ مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بِوَاضِحِ الدَّلَالَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ مَا لَيْسَ مِنْ صَدَقَةِ الْأَمْوَالِ كَالْقَرْضِ وَالْهَدِيَّةِ وَفِعْلِ الْمَعْرُوفِ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْأَمْوَالِ مُتَقَوِّمًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ الْعَامَّةُ كَمِيَاهِ الْآبَارِ وَكَالْمَسَاجِدِ، وَسَيَأْتِي دَلِيلُ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ مُطْلَقًا فِي اللُّقَطَةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ مِنْ خَصَائِصِهِ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ؟

ثَالِثُهَا: هَلْ يَلْتَحِقُ بِهِ آلُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ. كَذَا قَالَ، وَقَدْ نَقَلَ الطَّبَرِيُّ الْجَوَازَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ عَنْهُ: يَجُوزُ لَهُمْ إِذَا حَرَّمُوا سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَنَقَلَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنِ الْأَبْهَرِيِّ مِنْهُمْ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ: الْجَوَازُ، الْمَنْعُ، جَوَازُ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ، عَكْسُهُ، وَأَدِلَّةُ الْمَنْعِ ظَاهِرَةٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ وَلَوْ أَحَلَّهَا لِآلِهِ لَأَوْشَكَ أَنْ يَطْعَنُوا فِيهِ، وَلِقَوْلِهِ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ : الصَّدَقَةُ أَوْسَاخُ النَّاسِ. كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُصَحَّحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَمَّا عَكْسُهُ فَقَالُوا: إِنَّ الْوَاجِبَ حَقٌّ لَازِمٌ لَا يَلْحَقُ بِآخِذِهِ ذِلَّةٌ بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ، وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ مُوجِبَ الْمَنْعِ رَفْعُ يَدِ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، فَأَمَّا الْأَعْلَى عَلَى مِثْلِهِ فَلَا، وَلَمْ أَرَ لِمَنْ أَجَازَ مُطْلَقًا دَلِيلًا إِلَّا مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.

قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَمِعَ