لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ بَالَغَ الطَّحَاوِيُّ فِي نُصْرَةِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ.
ثُمَّ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ جَابِرٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَمْرٌو) هُوَ ابْنُ دِينَارٍ.
قَوْلُهُ: (سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ) أَيْ: ابْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَقَدْ سَمِعَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِنْ جَابِرٍ الْكَثِيرَ، وَرُبَّمَا أَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَاسِطَةً، وَلِسُفْيَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِسْنَادٌ آخَرُ سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ.
قَوْلُهُ: (لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ) هُوَ مَالُ الْجِزْيَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمَغَازِي، وَكَانَ عَامِلُ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الْبَحْرَيْنِ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ إِنْجَازِ الْوَعْدِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا.
قَوْلُهُ: (قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا) فِي الطَّرِيقِ الَّتِي فِي الشَّهَادَاتِ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، فَبَسَطَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ قَوْلِهِ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ: فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا. وَعُرِفَ بِقَوْلِهِ فِيهِ: فَحَثَى لِي حَثْيَةً تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: خُذْ هَكَذَا، كَأَنَّهُ أَشَارَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، وَسَيَأْتِي بَسْطُ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ فَرْضِ الْخُمُسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَوَجْهُ دُخُولِهِ فِي التَّرْجَمَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا قَامَ مَقَامَ النَّبِيِّ ﷺ تَكَفَّلَ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ، فَلَمَّا الْتَزَمَ ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يُوفِيَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عِدَّةٍ، وَكَانَ ﷺ يُحِبُّ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ فَنَفَذَ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ. وَقَدْ عَدَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ خَصَائِصِهِ ﷺ وُجُوبَ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ أَخْذًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا دَلَالَةَ فِي سِيَاقِهِ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ وَلَا عَلَى الْوُجُوبِ. وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَوْ جَرَّ ذَلِكَ نَفْعًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَلْتَمِسْ مِنْ جَابِرٍ شَاهِدًا عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ عَلِمَ بِذَلِكَ فَقَضَى لَهُ بِعِلْمِهِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ مِثْلِ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ.
٤ - بَاب جِوَارِ أَبِي بَكْرٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ وَعَقْدِهِ
٢٢٩٧ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ ﵂ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ، وأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ؛ فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ. فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلَادِكَ.
فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟ فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute