جِهَةِ إِيثَارِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يَكْفِي، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْبُخْلِ مَعَ الْوِجْدَانِ.
قَوْلُهُ: (أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ) بِالْمُهْمَلَةِ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ وَالْمُرَادُ الزَّوْجَةُ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْحِلِّ لِأَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ فَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَقِيلَ: مِنَ الْحُلُولِ لِأَنَّهَا تَحِلُّ مَعَهُ وَيَحِلُّ مَعَهَا.
قَوْلُهُ: (وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ - إِلَى - ﴿وَلا يَزْنُونَ﴾ هَكَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَالْقَتْلُ وَالزِّنَا فِي الْآيَةِ مُطْلَقَانِ، وَفِي الْحَدِيثِ مُقَيَّدَانِ: أَمَّا الْقَتْلُ فَبِالْوَلَدِ خَشْيَةَ الْأَكْلِ مَعَهُ، وَأَمَّا الزِّنَا فَبِزَوْجَةِ الْجَارِ. وَالِاسْتِدْلَالُ لِذَلِكَ بِالْآيَةِ سَائِغٌ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ وَرَدَتْ فِي مُطْلَقِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ لَكِنْ قَتْلَ هَذَا وَالزِّنَا بِهَذِهِ أَكْبَرُ وَأَفْحَشُ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ قَالُوا: حَرَامٌ. قَالَ: لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشَرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ.
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ، وَاسْمُ أَبِي بَزَّةَ نَافِعُ بْنُ يَسَارٍ، وَيُقَالُ: أَبُو بَزَّةَ جَدُّ الْقَاسِمِ لَا أَبُوهُ، مَكِّيٌّ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ وَالِدُ جَدِّ الْبَزِّيِّ الْمُقْرِئِ، وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ لِلْقَاسِمِ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ.
قَوْلُهُ: (هَلْ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ) فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي آخِرِ الْبَابِ قَالَ: لَا تَوْبَةَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ سَعِيدُ) أَيِ ابْنُ جُبَيْرٍ: (قَرَأْتُهَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ.
قَوْلُهُ: (فَدَخَلْتُ فِيهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَرَحَلْتُ، بِرَاءٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَهِيَ أَوْجَهُ.
قَوْلُهُ: (هَذِهِ مَكِّيَّةٌ) يَعْنِي نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ بَعْدَ سُورَةُ الْفُرْقَانِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.
قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ (اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ) كَذَا وَقَعَ مُخْتَصَرًا، وَأَخْصَرُ مِنْهُ رِوَايَةُ آدَمَ فِي تَفْسِيرِ النِّسَاءِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ مِنْهُ عَنْ غُنْدَرٍ بِلَفْظِ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ قَوْلُهُ: (نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلَا يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِهَا تَعْيِينُ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ بَيَّنَهَا فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ فِي الْبَابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ فقَالَ: لَا تَوْبَةَ لَهُ، وَعَنْ قَوْلِهِ: ﴿لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي الَّذِي يَلِيهِ أَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ.
٣ - بَاب ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾
٤٧٦٥ - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبْزَى: سُئِلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ وَقَوْلِهِ: ﴿وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ﴾ - حَتَّى بَلَغَ - ﴿إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ﴾ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: فَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ، وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿غَفُورًا رَحِيمًا﴾
قَوْلُهُ: بَابُ ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾
قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْجَزْمِ فِي (يُضَاعَفْ وَيَخْلُدْ) بَدَلًا