خِلَافَتِهِ فَصَادَفَ ذَلِكَ خِلَافَةَ ابْنِهُ يَزِيدَ، وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَكَأَنَّهُ كَسَاهَا ذَلِكَ بَعْدَ تَجْدِيدِ عِمَارَتِهَا فَأَوَّلِيَّتُهُ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ، لَكِنْ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَى كِسْوَتِهَا الدِّيبَاجَ، فَلَمَّا كَسَاهَا الْحَجَّاجُ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ دَاوَمَ عَلَى كِسْوَتِهَا الدِّيبَاجَ فِي كُلِّ سَنَةٍ. وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَوَّلُ مَنْ كَسَاهَا ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُوَافِقُ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ، فَإِنَّ الْحَجَّاجَ إِنَّمَا كَسَاهَا بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَقَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ لَمْ يَكْسِيَا الْكَعْبَةَ، فِيهِ نَظَرٌ، لِمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْزِعُهَا كُلَّ سَنَةٍ، لَكِنْ يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ الْفَاكِهِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمَكِّيِّينَ: أَنَّ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ اسْتَأْذَنَ مُعَاوِيَةَ فِي تَجْرِيدِ الْكَعْبَةِ فَأَذِنَ لَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَرَّدَهَا مِنَ الْخُلَفَاءِ. وَكَانَتْ كِسْوَتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ تُطْرَحُ عَلَيْهَا شَيْئًا فَوْقَ شَيْءٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ سُؤَالُ شَيْبَةَ، لِعَائِشَةَ أَنَّهَا تَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ فَتَكْثُرُ. وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ ظَاهَرَ الْكَعْبَةَ بَيْنَ كِسْوَتَيْنِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. وَذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كَسَاهَا الدِّيبَاجَ الْأَبْيَضَ الْمَأْمُونُ بْنُ الرَّشِيدِ، وَاسْتَمَرَّ بَعْدَهُ. وَكُسِيَتْ فِي أَيَّامِ الْفَاطِمِيِّينَ الدِّيبَاجَ الْأَبْيَضَ. وَكَسَاهَا مُحَمَّدُ بْنُ سُبُكْتَكِينَ دِيبَاجًا أَصْفَرَ، وَكَسَاهَا النَّاصِرُ الْعَبَّاسِيُّ دِيبَاجًا أَخْضَرَ، ثُمَّ كَسَاهَا دِيبَاجًا أَسْوَدَ، فَاسْتَمَرَّ إِلَى الْآنَ. وَلَمْ تَزَلِ الْمُلُوكُ يَتَدَاوَلُونَ كِسْوَتَهَا إِلَى أَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ النَّاصِرِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةِ قَرْيَةً مِنْ نَوَاحِي الْقَاهِرَةِ يُقَالُ لَهَا: بَيْسُوسُ، كَانَ اشْتَرَى الثُّلُثَيْنِ مِنْهَا مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ وَقَفَهَا كُلَّهَا عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فَاسْتَمَرَّ، وَلَمْ تَزَلْ تُكْسَى مِنْ هَذَا الْوَقْفِ إِلَى سَلْطَنَةِ الْمَلِكِ الْمُؤَيَّدِ شَيْخِ سُلْطَانِ الْعَصْرِ، فَكَسَاهَا مِنْ عِنْدِهِ سَنَةً لِضَعْفِ وَقْفِهَا، ثُمَّ فَوَّضَ أَمْرَهَا إِلَى بَعْضِ أُمَنَائِهِ، وَهُوَ الْقَاضِي زَيْنُ الدِّينِ عَبْدُ الْبَاسِطِ - بَسَطَ اللَّهُ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَعُمُرِهِ - فَبَالَغَ فِي تَحْسِينِهَا بِحَيْثُ يَعْجِزُ الْوَاصِفُ عَنْ صِفَةِ حُسْنِهَا، جَزَاهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ أَفْضَلَ الْمُجَازَاةِ.
وَحَاوَلَ مَلِكُ الشَّرْقِ شَاهْ روخ فِي سَلْطَنَةِ الْأَشْرَفِ بِرْسِبَاي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ فَامْتَنَعَ، فَعَادَ رَاسِلُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَكْسُوَهَا مِنْ دَاخِلِهَا فَقَطْ فَأَبَى، فَعَادَ رَاسِلُهُ أَنْ يُرْسِلَ الْكِسْوَةَ إِلَيْهِ وَيُرْسِلَهَا إِلَى الْكَعْبَةِ وَيَكْسُوَهَا وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا، وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَكْسُوَهَا وَيُرِيدَ الْوَفَاءَ بِنَذْرِهِ، فَاسْتَفْتَى أَهْلَ الْعَصْرِ، فَتَوَقَّفْتُ عَنِ الْجَوَابِ، وَأَشَرْتُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ خُشِيَ مِنْهُ الْفِتْنَةُ فَيُجَابَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَتَسَرَّعَ جَمَاعَةٌ إِلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، وَلَمْ يَسْتَنِدُوا إِلَى طَائِلٍ، بَلْ إِلَى مُوَافَقَةِ هَوَى السُّلْطَانِ، وَمَاتَ الْأَشْرَفُ عَلَى ذَلِكَ.
٤٩ - بَاب هَدْمِ الْكَعْبَةِ
قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَيُخْسَفُ بِهِمْ
١٥٩٥ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَخْنَسِ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا.
١٥٩٦ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ قال رسول الله ﷺ: "يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ"
قَوْلُهُ: (بَابُ هَدْمِ الْكَعْبَةِ) أَيْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَتْ عَائِشَةُ) فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ: قَالَتْ: بِحَذْفِ الْوَاوِ، وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهَا بِلَفْظِ: يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute