الزَّايِ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ الرَّاوِي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ قَرِيبًا، فَإِنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا مَدَنِيَّيْنِ لَكِنَّ رَاوِيَ حَدِيثِ الْبَابِ أَكْبَرُ مِنِ ابْنِ دِينَارٍ.
قَوْلُهُ (وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ ذِرَاعٌ وَكُرَاعٌ بِالتَّغْيِيرِ، وَالذِّرَاعُ أَفْضَلُ مِنَ الْكُرَاعِ، وَفِي الْمَثَلِ أَنْفَقَ الْعَبْدُ كُرَاعًا وَطَلَبَ ذِرَاعًا، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَكَذَا وَقَعَ لِلْغَزالِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُرَاعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَكَانُ الْمَعْرُوفُ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَغَازِي، وَزَعَمَ أَنَّهُ أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِجَابَةِ وَلَوْ بَعُدَ الْمَكَانُ، لَكِنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الْإِجَابَةِ مَعَ حَقَارَةِ الشَّيْءِ أَوْضَحُ فِي الْمُرَادِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُرَاعِ هُنَا كُرَاعُ الشَّاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْهِبَةِ فِي حَدِيثِ يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسَنَ شَاةٍ، وَأَغْرَبَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ وَلَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ وَلَا أَصْلَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ. وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا: لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ، وَلَوْ دُعِيتُ لِمِثْلِهِ لَأَجَبْتُ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ وَادِعٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَكْرَهُ الْهَدِيَّةَ؟ فَقَالَ: مَا أَقْبَحَ رَدَّ الْهَدِيَّةِ! فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَيُسْتَفَادُ سَبَبُهُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ خُلُقِهِ ﷺ وَتَوَاضُعِهِ وَجَبْرِهِ لِقُلُوبِ النَّاسِ، وَعَلَى قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةِ مَنْ يَدْعُو الرَّجُلَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَيْهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: لَا يَبْعَثُ عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَى الطَّعَامِ إِلَّا صِدْقُ الْمَحَبَّةِ وَسُرُورُ الدَّاعِي بِأَكْلِ الْمَدْعُوِّ مِنْ طَعَامِهِ وَالتَّحَبُّبِ إِلَيْهِ بِالْمُؤَاكَلَةِ وَتَوْكِيدِ الذِّمَامِ مَعَهُ بِهَا، فَلِذَلِكَ حَضَّ ﷺ عَلَى الْإِجَابَةِ وَلَوْ نَزَرَ الْمَدْعُوُّ إِلَيْهِ. وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى الْمُوَاصَلَةِ وَالتَّحَابِّ وَالتَّآلُفِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ لِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَقَبُولُ الْهَدِيَّةِ كَذَلِكَ.
٧٤ - بَاب إِجَابَةِ الدَّاعِي فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ
٥١٧٩ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ﵄ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ لَهَا، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ وَهُوَ صَائِمٌ.
قَوْلُهُ (بَابُ إِجَابَةِ الدَّاعِي فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ، وَهَذِهِ اللَّامُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ الْأُخْرَى: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ إِذَا تَعَدَّدَتْ أَلْفَاظُهُ وَأَمْكَنَ حَمْلُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ تَعَيَّنَ ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِلْعُمُومِ وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ رَاوِي الْحَدِيثِ، فَكَانَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ لِلْعُرْسِ وَلِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ الْبَغْدَادِيُّ، أَخْرَجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا فَقَطْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ رِوَايَتُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عِبَادَةَ، فَقِيلَ: هُوَ هَذَا نَسَبُهُ إِلَى جَدِّهِ، وَقِيلَ غَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو وَالْمُسْتَمْلِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمَّا حَدَّثَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ هَذَا سُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: مُتْقِنٌ.
قَوْلُهُ (عَنْ نَافِعٍ) فِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ، أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ.
قَوْلُهُ (قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ)، الْقَائِلُ هُوَ نَافِعٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute