الْمُجِيبُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهَلْ يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالنِّدَاءِ أَوْ يَشْمَلُ مَا هُوَ أَعُمُّ حَتَّى تَجِبَ إِجَابَتُهُ إِذَا سَأَلَ؟ فِيهِ بَحْثٌ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ بِأَنَّ إِجَابَةَ الصَّحَابَةِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي قَوْلِهِ: هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، وَأَنَّ الْوَاوَ لَيْسَتْ بِالْعَاطِفَةِ الَّتِي تَفْصِلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَإِنَّمَا هِيَ الَّتِي تَجِيءُ بِمَعْنَى التَّفْصِيلِ كَقَوْلِهِ: ﴿فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ وَقَوْلِهِ: ﴿وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ انْتَهَى. وَفِيهِ بَحْثٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ) مَحْذُوفَ الْخَبَرِ، وَالتَّقْدِيرُ: مَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَثَلًا، فَيَكُونُ وَصْفُ الْفَاتِحَةِ انْتَهَى بِقَوْلِهِ: هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي ثُمَّ عَطَفَ قَوْلَهَ: وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، أَيْ: مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ رِعَايَةً لِنَظْمِ الْآيَةِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ هُوَ الَّذِي أُوتِيتُهُ زِيَادَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ.
(تَنْبِيهٌ) يُسْتَنْبَطُ مِنْ تَفْسِيرِ السَّبْعِ الْمَثَانِي بِالْفَاتِحَةِ أَنَّ الْفَاتِحَةَ مَكِّيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِمُجَاهِدٍ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ امْتَنَّ عَلَى رَسُولِهِ بِهَا، وَسُورَةُ الْحِجْرِ مَكِّيَّةٌ اتِّفَاقًا فَيَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ نُزُولِ الْفَاتِحَةِ عَلَيْهَا. قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: هَذِهِ هَفْوَةٌ مِنْ مُجَاهِدٍ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ، وَأَغْرَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَنَسَبَ الْقَوْلَ بِذَلِكَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ، وَنَقَلُوا فِيهِ الْإِجْمَاعَ، لَكِنْ جَاءَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ أَنَّهَا سِتُّ آيَاتٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدَّ الْبَسْمَلَةَ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهَا ثَمَانُ آيَاتٍ، لِأَنَّهُ عَدَّهَا وَعَدَّ: ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ وَقِيلَ: لَمْ يَعُدَّهَا وَعَدَّ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وَهَذَا أَغْرَبُ الْأَقْوَالِ.
٢ - بَاب ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾
٤٤٧٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فَقُولُوا: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ: لَا زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى النَّفْيِ الْمَفْهُومِ مِنْ غَيْرِ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفُ الضَّالِّينَ عَلَى الَّذِينَ أَنْعَمْتَ. وَقِيلَ: لَا بِمَعْنَى غَيْرِ وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عُمَرَ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ الضَّالِّينَ ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَهِيَ لِلتَّأْكِيدِ أَيْضًا. وَرَوَى أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ الْيَهُودُ، وَلَا الضَّالِّينَ النَّصَارَى. هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا، وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ نَحْوَهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: لَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَشَاهِدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْيَهُودِ: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾ وَفِي النَّصَارَى: ﴿قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا﴾
ثم أورد المصنف حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُوَافَقَةِ الْإِمَامِ فِي التَّأْمِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَرَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فَقَالَ: آمِينَ، وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute