للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نُشَاهِدُهَا مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، كَمَا نَقُولُ: إِنَّهُ عَالِمٌ، وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ كَالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ نُشَاهِدُهُمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّرْجَمَةِ الذَّاتُ الْمُقَدَّسَةُ، وَلَوْ كَانَتْ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَشَمَلَهَا الْهَلَاكُ كَمَا شَمَلَ غَيْرَهَا مِنَ الصِّفَاتِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ الْوَجْهِ: الْجَارِحَةُ الْمَعْرُوفَةُ، وَلَمَّا كَانَ الْوَجْهُ أَوَّلَ مَا يُسْتَقْبَلُ وَهُوَ أَشْرَفُ مَا فِي ظَاهِرِ الْبَدَنِ، اسْتُعْمِلَ فِي مُسْتَقْبَلِ كُلِّ شَيْءٍ وَفِي مَبْدَئِهِ، وَفِي إِشْرَاقِهِ، فَقِيلَ: وَجْهُ النَّهَارِ، وَقِيلَ: وَجْهُ كَذَا، أَيْ: ظَاهِرُهُ، وَرُبَّمَا أُطْلِقَ الْوَجْهُ عَلَى الذَّاتِ كَقَوْلِهِمْ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾ وَقِيلَ: إِنَّ لَفْظَ الْوَجْهِ صِلَةٌ، وَالْمَعْنَى كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا هُوَ، وَكَذَا: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الْقَصْدُ، أَيْ: يَبْقَى مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ.

قُلْتُ: وَهَذَا الْأَخِيرُ نُقِلَ عَنْ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا وَرَدَ فِيهِ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَصَصِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الذَّاتُ أَوِ الْوُجُودُ أَوْ لَفْظُهُ زَائِدٌ، أَوِ الْوَجْهُ الَّذِي لَا كَالْوُجُوهِ، لِاسْتِحَالَةِ حَمْلِهِ عَلَى الْعُضْوِ الْمَعْرُوفِ، فَتَعَيَّنَ التَّأْوِيلُ أَوِ التَّفْوِيضُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْوَجْهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَهُوَ فِي بَعْضِهَا صِفَةُ ذَاتٍ كَقَوْلِهِ: إِلَّا رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ، وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَفِي بَعْضِهَا بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ كَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ وَفِي بَعْضِهَا بِمَعْنَى الرِّضَا كَقَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾، ﴿إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى﴾ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْجَارِحَةَ جَزْمًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١٧ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ تُغَذَّى، وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾

٧٤٠٧ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ - وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.

٧٤٠٨ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا ، عَنْ النَّبِيِّ ، قَالَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ قَوْمَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ.

قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ تُغَذَّى) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالْأَصِيلِيِّ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ ثَقِيلَةٌ مِنَ التَّغْذِيَةِ، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَلَيْسَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ عَلَى حَذَفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فَإِنَّهُ تَفْسِيرُ تُصْنَعَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ طَهَ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: هَذَا التَّفْسِيرُ لِقَتَادَةَ، وَيُقَالُ: صَنَعْتُ الْفَرَسَ إِذَا أَحْسَنْتَ الْقِيَامَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾، أَيْ: بِعِلْمِنَا، وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ أَنَسٍ فِي ذِكْرِ الدَّجَّالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَا مَشْرُوحَيْنِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ، وَفِيهِمَا أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَقَوْلُهُ هُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، وَذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ فِي الْأَطْرَافِ عَنْ مُسَدَّدٍ بَدَلَ مُوسَى، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءٍ عَنْ عَمِّهِ جُوَيْرِيَةَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ الَّتِي فِي آخِرِهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْهُمَا، قَالَ الرَّاغِبُ: الْعَيْنُ: الْجَارِحَةُ، وَيُقَالُ لِلْحَافِظِ لِلشَّيْءِ الْمُرَاعِي لَهُ: عَيْنٌ، وَمِنْهُ فُلَانٌ