للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٨ - كِتَاب جَزَاءِ الصَّيْدِ

١ - بَاب قَوْل اللَّهِ تَعَالَى:

﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ قَوْلُهُ: (بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ﴾ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأَثْبَتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْبَسْمَلَةَ، وَلِغَيْرِهِ: بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى. . . إِلَخْ بِحَذْفِ مَا قَبْلَهُ. قِيلَ: السَّبَبُ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَبَا الْيَسَرِ - بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ - قَتَلَ حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَنَزَلَتْ، حَكَاهُ مُقَاتِلٌ فِي تَفْسِيرِهِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ حَدِيثًا، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى شَرْطِهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا قَتَلَ الصَّيْدَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَخَالَفَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْخَطَأِ، وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مُتَعَمِّدًا فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ الْمُخْطِئَ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. وَعَكَسَ الْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ فَقَالَا: يَجِبُ الْجَزَاءُ فِي الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ فَيَخْتَصُّ الْجَزَاءُ بِالْخَطَأِ، وَالنِّقْمَةُ بِالْعَمْدِ، وَعَنْهُمَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْعَامِدِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَإِنْ عَادَ كَانَ أَعْظَمَ لَائِمَةً وَعَلَيْهِ النِّقْمَةُ لَا الْجَزَاءُ.

قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى الْعَامِدِ غَيْرَهُمَا. وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَفَّارَةِ؛ فَقَالَ الْأَكْثَرُ: هُوَ مُخَيَّرٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يُقَدِّمُ الْمِثْلَ، فَإِنَّ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّمَا الطَّعَامُ وَالصِّيَامُ فِيمَا لَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الصَّيْدِ، وَاتَّفَقَ الْأَكْثَرُ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ مَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَطَائِفَةٌ: يَجُوزُ أَكْلُهُ، وَهُوَ كَذَبِيحَةِ السَّارِقِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُ أَيْضًا: إِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ مَا حَكَمَ بِهِ السَّلَفُ لَا يُتَجَاوَزُ ذَلِكَ، وَمَا لَمْ يَحْكُمُوا فِيهِ يُسْتَأْنَفُ فِيهِ الْحُكْمُ، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ يُجْتَهَدُ فِيهِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: الِاخْتِيَارُ فِي ذَلِكَ لِلْحَكَمَيْنِ فِي كُلِّ زَمَنٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُسْتَأْنَفُ الْحُكْمُ، وَالْخِيَارُ إِلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْحَكَمَيْنِ لَا تَحْكُمَا عَلَيَّ إِلَّا بِالْإِطْعَامِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُ: الْوَاجِبُ فِي الْجَزَاءِ نَظِيرُ الصَّيْدِ مِنَ النَّعَمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ، وَيَجُوزُ صَرْفُهَا فِي الْمِثْلِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُ: فِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ، وَفِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَفِي الصَّحِيحِ صَحِيحٌ، وَفِي الْكَسِيرِ كَسِيرٌ. وَخَالَفَ مَالِكٌ فَقَالَ: فِي الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ كَبِيرٌ، وَفِي الصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ صَحِيحٌ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّيْدِ مَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِلْحَلَالِ مِنَ الْحَيَوَانِ الْوَحْشِيِّ، وَأَنْ لَا شَيْءَ فِيمَا يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُتَوَلِّدِ، فَأَلْحَقَهُ الْأَكْثَرُ بِالْمَأْكُولِ، وَمَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ وَفُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، فَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ هُنَا.