الْوَسَطِ فِي الْآيَةِ الْجُزْءُ الَّذِي بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ وَسَطٌ لِتَوَسُّطِهِمْ فِي الدِّينِ فَلَمْ يَغْلُوا كَغُلُوِّ النَّصَارَى وَلَمْ يُقَصِّرُوا كَتَقْصِيرِ الْيَهُودِ، وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ وَسَطٍ وَاعْتِدَالٍ، قُلْتُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْوَسَطِ فِي الْآيَةِ صَالِحًا لِمَعْنَى التَّوَسُّطِ أَنْ لَا يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ مَعْنَاهُ الْآخَرُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، فَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَعْنَى الْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٤ - بَاب ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
٤٤٨٨ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄: بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ إِذْ جَاءَ فَقَالَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قُرْآنًا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا. فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ الْآيَةَ). كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَسَاقَ غَيْرُهُ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
ثم أورد حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ مُسْتَوْفًى.
١٥ - بَاب: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ - إِلَى - ﴿عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾
٤٤٨٩ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ غَيْرِي.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ الْآيَةَ) وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى عَمَّا تَعْمَلُونَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ) صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَأَبِي نُعَيْمٍ بِسَمَاعِ سُلَيْمَانَ لَهُ مِنْ أَنَسٍ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ غَيْرِي) يَعْنِي الصَّلَاةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِلَى الْكَعْبَةِ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَنَسًا آخِرُ مَنْ مَاتَ مِمَّنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَنَسًا قَالَ ذَلِكَ وَبَعْضُ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ مَوْجُودٌ، ثُمَّ تَأَخَّرَ أَنَسٌ إِلَى أَنْ كَانَ آخِرَ مَنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ من أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَهُ عَلِيٌّ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَالْبَزَّارُ وَغَيْرُهُمَا. بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ آخِرُ الصَّحَابَةِ مَوْتًا مُطْلَقًا، لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ غَيْرُ أَبِي الطُّفَيْلِ، كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ثَبَتَ لِجَمَاعَةٍ مِمَّنْ سَكَنَ الْبَوَادِي مِنَ الصَّحَابَةِ تَأَخُّرُهُمْ عَنْ أَنَسٍ وَكَانَتْ وَفَاةُ أَنَسٍ سَنَةَ تِسْعِينَ أَوْ إِحْدَى أَوْ ثَلَاثٍ وَهُوَ أَصَحُّ مَا قِيلَ، وَلَهُ مِائَةٌ وَثَلَاثُ سِنِينَ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْضًا، وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: أَقَلُّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ هِيَ الْكَعْبَةُ وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ قَالَ: نَحْوَ مِيزَابِ الْكَعْبَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الْجِهَةَ قِبْلَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.