عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَتَّى اسْمُ أُمِّهِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي الْمُبْتَدَا، وَذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْكَامِلِ، وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ.
وَقِيلَ: سَبَبُ قَوْلِهِ: وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ يُونُسُ ابْنُ فُلَانٍ فَنَسِيَ الرَّاوِي اسْمَ الْأَبِ وَكَنَّى عَنْهُ بِفُلَانٍ، وَقِيلَ: إِنْ ذَلِكَ هُوَ السَّبَبُ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى أُمِّهِ فَقَالَ الَّذِي نَسِيَ اسْمَ أَبِيهِ يُونُسُ بْنُ مَتَّى وَهُوَ أُمُّهُ ثُمَّ اعْتَذَرَ فَقَالَ وَنَسَبَهُ - أَيْ شَيْخُهُ - إِلَى أَبِيهِ أَيْ سَمَّاهُ فَنَسَبَهُ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا التَّأْوِيلِ وَتَكَلُّفُهُ، قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا قَالَ ﷺ ذَلِكَ تَوَاضُعًا إِنْ كَانَ قَالَهُ بَعْدَ أَنْ أُعْلِمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَإِنْ كَانَ قَالَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَلَا إِشْكَالَ، وَقِيلَ: خَصَّ يُونُسَ بِالذِّكْرِ لِمَا يَخْشَى عَلَى مَنْ سَمِعَ قِصَّتَهُ أَنْ يَقَعَ فِي نَفْسِهِ تَنْقِيصٌ لَهُ فَبَالَغَ فِي ذِكْرِ فَضْلِهِ لِسَدِّ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ.
وَقَدْ رَوَى قِصَّتَهُ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَسَانِيدِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ يُونُسَ إِلَى أَهْلِ نِينَوَى وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ فَكَذَّبُوهُ، فَوَعَدَهُمْ بِنُزُولِ الْعَذَابِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَخَرَجَ عَنْهُمْ مُغَاضِبًا لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْا آثَارَ ذَلِكَ خَضَعُوا وَتَضَرَّعُوا وَآمَنُوا، فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَذَهَبَ يُونُسُ فَرَكِبَ سَفِينَةً فَلَجَّجَتْ بِهِ، فَاقْتَرَعُوا فِيمَنْ يَطْرَحُونَهُ مِنْهُمْ فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ نَحْوَ ذَلِكَ وَفِيهِ: وَأَصْبَحَ يُونُسُ فَأَشْرَفَ عَلَى الْقَرْيَةِ فَلَمْ يَرَ الْعَذَابَ وَقَعَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ فِي شَرِيعَتِهِمْ مَنْ كَذَبَ قُتِلَ، فَانْطَلَقَ مُغَاضِبًا حَتَّى رَكِبَ سَفِينَةً - وَقَالَ فِيهِ - فَقَالَ لَهُمْ يُونُسُ إِنَّ مَعَهُمْ عَبْدًا آبِقًا مِنْ رَبِّهِ وَإِنَّهَا لَا تَسِيرُ حَتَّى تُلْقُوهُ، فَقَالُوا: لَا نُلْقِيكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَبَدًا، قَالَ فَاقْتَرَعُوا فَخَرَجَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَلْقَوْهُ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ فَبَلَغَ بِهِ قَرَارَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ تَسْبِيحَ الْحَصَى ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ﴾ الْآيَةَ. وَرَوَى الْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ حَبْسَ يُونُسَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَمَرَ اللَّهُ الْحُوتَ أَنْ لَا يَكْسِرَ لَهُ عَظْمًا وَلَا يَخْدِشَ لَهُ لَحْمًا، فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى قَعْرِ الْبَحْرِ سَبَّحَ اللَّهَ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا إِنَّا نَسْمَعُ صَوْتًا بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ.
قَالَ: ذَاكَ عَبْدِي يُونُسَ، فَشَفَعُوا لَهُ، فَأَمَرَ الْحُوتَ فَقَذَفَهُ فِي السَّاحِلِ - قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - كَهَيْئَةِ الْفَرْخِ لَيْسَ عَلَيْهِ رِيشٌ وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: لَبِثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَمِنْ طَرِيقِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ قَالَ: سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ: ثَلَاثًا، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الْتَقَمَهُ ضُحًى، وَلَفَظَهُ عَشِيَّةً.
٣٦ - بَاب
﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾ يَتَعَدَّوْنَ: يُجَاوِزُونَ فِي السَّبْتِ
﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا﴾ - شَوَارِعَ، إِلَى قَوْلِهِ - ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْقَرْيَةَ الْمَذْكُورَةَ أَيْلَةُ وَهِيَ الَّتِي عَلَى طَرِيقِ الْحَاجِّ الذَّاهِبِ إِلَى مَكَّةَ مِنْ مِصْرَ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا طَبَرِيَةُ.
قَوْلُهُ: ﴿إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾ يَتَعَدَّوْنَ، يَتَجَاوَزُونَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾ أَيْ يَتَعَدَّوْنَ فِيهِ عَمَّا أُمِرُوا بِهِ وَيَتَجَاوَزُونَ.
قَوْلُهُ: ﴿شُرَّعًا﴾ شَوَارِعَ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: ﴿بَئِيسٍ﴾ شَدِيدٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَخَذْنَاهُمْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ: أَيْ شَدِيدٍ وَزْنًا وَمَعْنًى، قَالَ الشَّاعِرُ:
حَنِقًا عَلَيَّ وَمَا تَرَى … لِي فِيهِمْ أَمْرًا بَئِيسًا