﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، ثم يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿شَهِيدٌ﴾ فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حديث ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٢٢ - سُورَةُ الْحَجِّ
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ﴿الْمُخْبِتِينَ﴾ الْمُطْمَئِنِّينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي ﴿إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ، فَيُبْطِلُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ، وَيُقَالُ أُمْنِيَّتُهُ: قِرَاءَتُهُ، ﴿إِلا أَمَانِيَّ﴾ يَقْرَءُونَ وَلَا يَكْتُبُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَشِيدٌ بِالْقَصَّةِ، جِصٌّ. وَقَالَ غَيْرُهُ ﴿يَسْطُونَ﴾ يَفْرُطُونَ مِنْ السَّطْوَةِ، وَيُقَالُ: ﴿يَسْطُونَ﴾ يَبْطِشُونَ ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ أُلْهِمُوا إِلَى الْقُرْآنِ، ﴿وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿بِسَبَبٍ﴾ بِحَبْلٍ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ مُسْتَكْبِرٌ، ﴿تَذْهَلُ﴾ تُشْغَلُ.
قَوْلُهُ (سُورَةُ الْحَجِّ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: ﴿الْمُخْبِتِينَ﴾ الْمُطْمَئِنِّينَ) هُوَ كَذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ عُيَيْنَةَ لَكِنْ أَسْنَدَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ ابْنِ الْمُنْذِرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْمُصَلِّينَ، وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ قَالَ: الْمُتَوَاضِعِينَ. وَالْمُخْبِتُ مِنَ الْإِخْبَاتِ ; وَأَصْلُهُ الْخَبْتُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ، فَيُبْطِلُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ) وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُقَطَّعًا.
قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ أُمْنِيَتُهُ قِرَاءَتُهُ، ﴿إِلا أَمَانِيَّ﴾ يَقْرَءُونَ وَلَا يَكْتُبُونَ) هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ قَالَ: التَّمَنِّي التِّلَاوَةُ قَالَ: وَقَوْلُهُ: ﴿لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ﴾ قَالَ: الْأَمَانِيُّ أَنْ يَفْتَعِلَ الْأَحَادِيثَ، وَكَانَتْ أَحَادِيثُ يَسْمَعُونَهَا مِنْ كُبَرَائِهِمْ وَلَيْسَتْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: وَمِنْ شَوَاهِدِ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ … تَمَنِّي دَاوُدَ الزَّبُورَ عَلَى رُسُلٍ
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالتَّمَنِّي أَيْضًا حَدِيثُ النَّفْسِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي كِتَابِ مَعَانِي الْقُرْآنِ لَهُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ رِوَايَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ: هَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ وَأَعْلَاهُ وَأَجَلُّهُ. ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: بِمِصْرَ صَحِيفَةٌ فِي التَّفْسِيرِ رَوَاهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ لَوْ رَحَلَ رَجُلٌ فِيهَا إِلَى مِصْرَ قَاصِدًا مَا كَانَ كَثِيرًا انْتَهَى. وَهَذِهِ النُّسْخَةُ كَانَتْ عِنْدَ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ رَوَاهَا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ،