عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهِيَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَقَدِ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا فِي صَحِيحِهِ هَذَا كَثِيرًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي أَمَاكِنِهِ وَهِيَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ بِوَسَائِطَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي صَالِحٍ انْتَهَى.
وَعَلَى تَأْوِيلِ ابْن عَبَّاسٍ هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَكَّةَ وَالنَّجْمُ، فَلَمَّا بَلَغَ ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى﴾ أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: مَا ذَكَرَ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ قَبْلَ الْيَوْمَ، فَسَجَدَ وَسَجَدُوا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ فِي إِسْنَادِهِ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا أَحْسَبُ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: لَا يُرْوَى مُتَّصِلًا إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ وَهُوَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ انْتَهَى.
وَالْكَلْبِيُّ مَتْرُوكٌ وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّحَّاسُ بِسَنَدٍ آخَرَ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ مُطَوَّلًا، وَأَسْنَدَهَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَكَذَلِكَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مَعْشَرٍ فِي السِّيرَةِ لَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ وَأَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرِيُّ، وَأَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ ; وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، وَأَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيِّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَوْرَدَهَا الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَعْنَاهُمْ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ، وَكُلُّهَا سِوَى طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِمَّا ضَعِيفٌ وَإِلَّا مُنْقَطِعٌ، لَكِنْ كَثْرَةُ الطُّرُقِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْقِصَّةِ أَصْلًا، مَعَ أَنَّ لَهَا طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ مُرْسَلَيْنِ رِجَالُهُمَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَالثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَرَّقَهُمَا عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَقَدْ تَجَرَّأَ أَبُو بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ كَعَادَتِهِ فَقَالَ: ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ بَاطِلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا، وَهُوَ إِطْلَاقٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ.
وَكَذَا قَوْلُ عِيَاضٍ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الصِّحَّةِ وَلَا رَوَاهُ ثِقَةٌ بِسَنَدٍ سَلِيمٍ مُتَّصِلٍ مَعَ ضَعْفِ نَقَلَتِهِ وَاضْطِرَابِ رِوَايَاتِهِ وَانْقِطَاعِ إِسْنَادِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَمَنْ حُمِلَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنَ التَّابِعِينَ وَالْمُفَسِّرِينَ لَمْ يُسْنِدْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا رَفَعَهَا إِلَى صَاحِبٍ، وَأَكْثَرُ الطُّرُقِ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ ضَعِيفَةٌ وَاهِيَةٌ، قَالَ: وَقَدْ بَيَّنَ الْبَزَّارُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِنْ طَرِيقٍ يَجُوزُ ذِكْرُهُ إِلَّا طَرِيقَ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَعَ الشَّكِّ الَّذِي وَقَعَ فِي وَصْلِهِ، وَأَمَّا الْكَلْبِيُّ فَلَا تَجُوزُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ لِقُوَّةِ ضَعْفِهِ.
ثُمَّ رَدَّهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ لَارْتَدَّ كَثِيرٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ، قَالَ: وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ انْتَهَى، وَجَمِيعُ ذَلِكَ لَا يَتَمَشَّى عَلَى الْقَوَاعِدِ، فَإِنَّ الطُّرُقَ إِذَا كَثُرَتْ وَتَبَايَنَتْ مَخَارِجُهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا، وَقَدْ ذَكَرْتُ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَسَانِيدَ مِنْهَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَهِيَ مَرَاسِيلُ يَحْتَجُّ بِمِثْلِهَا مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ وَكَذَا مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِهِ لِاعْتِضَادِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ تَأْوِيلُ مَا وَقَعَ فِيهَا مِمَّا يُسْتَنْكَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ ﷺ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقُرْآنِ عَمْدًا مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَكَذَا سَهْوًا إِذَا كَانَ مُغَايِرًا لِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ لِمَكَانِ عِصْمَتِهِ - وَقَدْ سَلَكَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَسَالِكَ، فَقِيلَ جَرَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِهِ حِينَ أَصَابَتْهُ سِنَةٌ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ أَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ. وَهَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ذَلِكَ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute