(شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ جَهِدَ النَّاسَ ذَلِكَ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: (فَجَاءَ التَّخْفِيفُ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الْأُخْرَى - وَزَادَ - فَفُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ وَلَا قَوْمٌ مِنْ مِثْلِهِمْ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ ثَبَاتِ الْوَاحِدِ الْمُسْلِمِ إِذَا قَاوَمَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْكُفَّارِ وَتَحْرِيمِ الْفِرَارِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا، سَوَاءٌ طَلَبُهُ أَوْ طَلَبُهُمَا، سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ مَعَ الْعَسْكَرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَسْكَرٌ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِوُجُودِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ فِي الرِّسَالَةِ الْجَدِيدَةِ رِوَايَةَ الرَّبِيعِ وَلَفْظُهُ وَمِنْ نُسْخَةٍ عَلَيْهَا خَطُّ الرَّبِيعِ نُقِلَتْ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لِلْآيَةِ آيَاتٍ فِي كِتَابِهِ: أَنَّهُ وُضِعَ عَنْهُمْ أَنْ يَقُومَ الْوَاحِدُ بِقِتَالِ الْعَشَرَةِ وَأَثْبَتَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُومَ الْوَاحِدُ بِقِتَالِ الِاثْنَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَسَاقَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْمُنْفَرِدَ لَوْ طَلَبَاهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ أُهْبَةٍ جَازَ لَهُ التَّوَلِّي عَنْهُمَا جَزْمًا، وَإِنْ طَلَبَهُمَا فَهَلْ يَحْرُمُ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا، لَكِنْ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآثَارِ الْمُتَضَافِرَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَأْبَاهُ وَهُوَ تُرْجَمَانِ الْقُرْآنِ وَأَعْرَفُ النَّاسُ بِالْمُرَادِ، لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا أَطْلَقَهُ إِنَّمَا هُوَ فِي صُورَةِ مَا إِذَا قَاوَمَ الْوَاحِدُ الْمُسْلِمُ مِنْ جُمْلَةِ الصَّفِّ فِي عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ اثْنَيْنِ مِنْ الْكُفَّارِ، أَمَّا الْمُنْفَرِدُ وَحْدَهُ بِغَيْرِ
الْعَسْكَرِ فَلَا، لِأَنَّ الْجِهَادَ إِنَّمَا عُهِدَ بِالْجَمَاعَةِ دُونَ الشَّخْصِ الْمُنْفَرِدِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ أَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ بَعْضَ أَصْحَابِهِ سَرِيَّةً وَحْدَهُ. وَقَدِ اسْتَوْعَبَ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي غَالِبِهَا التَّصْرِيحُ بِمَنْعِ تَوَلِّي الْوَاحِدِ عَنْ الِاثْنَيْنِ، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ﴾
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْعُدَّةِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ) كَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَفِي رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ نَقَصَ مِنَ النَّصْرِ وَهَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ تَوْقِيفًا عَلَى مَا يَظْهَرُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِقْرَاءِ.
٩ - سُورَةُ بَرَاءَةٍ
مَرْصَدٌ: طَرِيقٌ، إِلَّا: الْإِلُّ الْقِرْابَةُ وَالذِّمَّةُ وَالْعَهْدُ، وَلِيجَةَ: كُلِّ شَيْءٍ أَدْخَلْتُهُ فِي شَيْءٍ، الشَّقَّةُ: السَّفَرُ، الْخَبَالُ: الْفَسَادُ، وَالْخَبَالُ الْمَوْتُ، وَلَا تَفْتِنِّي: لَا تُوَبِّخُنِي، كَرَهًا وَكُرْهًا وَاحِدٌ، مُدْخَلًا: يَدْخُلُونَ فِيهِ، يَجْمَحُونَ: يُسْرِعُونَ، وَالْمُؤْتَفِكَاتُ: ائُتُفِكَتِ انْقَلَبَتْ بِهَا الْأَرْضُ، أَهْوَى: أَلْقَاهُ فِي هُوَّةٍ، عَدْنٍ: خُلْدٍ، عَدَنْتَ بِأَرْضٍ أَيْ أَقَمْتَ، وَمِنْهُ مَعْدِنٌ وَيُقَالُ فِي مَعْدِنٍ صِدْقٍ فِي مَنْبِتٍ صِدْقٍ، الْخَوَالِفُ: الْخَالِفُ الَّذِي خَلَّفَنِي فَقَعَدَ بَعْدِي، وَمِنْهُ يَخْلُفُهُ فِي الْغابرين وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النِّسَاءُ مِنَ الْخَالِفَةِ، وَإِنْ كَانَ جَمْعُ الذُّكُورِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَلَى تَقْدِيرِ جَمَعِهِ إِلَّا حَرْفَانِ: فَارِسٌ وَفَوَارِسُ، وَهَالَكٌ وَهَوَالِكُ، الْخَيِّرَاتُ: وَاحِدُهَا خِيرَةٌ، وَهِيَ الْفَوَاضِلُ، مُرْجَوْنَ: مُؤَخَّرُونَ، الشَّفَا: الشَّفِيرُ وَهُوَ حَدُّهُ، وَالْجُرْفُ: مَا تَجَرَّفَ مِنَ السُّيُولِ وَالْأَوديَةِ، هَارٍ: هَائِرٍ، لَأَوَاهٌ: شَفَقًا وَفَرَقًا، وَقَالَ:
إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ … تَأَوُّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute