للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ. يَعْنِي: الْخُرُوجُ إِلَى التِّجَارَةِ) كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَأَطْلَقَ عُمَرُ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالتِّجَارَةِ لَهْوًا لِأَنَّهَا أَلْهَتْهُ عَنْ طُولِ مُلَازَمَتِهِ النَّبِيَّ حَتَّى سَمِعَ غَيْرُهُ مِنْهُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ، وَلَمْ يَقْصِدْ عُمَرُ تَرْكَ أَصْلِ الْمُلَازَمَةِ وَهِيَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ، وَكَانَ احْتِيَاجُ عُمَرَ إِلَى الْخُرُوجِ لِلسُّوقِ مِنْ أَجْلِ الْكَسْبِ لِعِيَالِهِ وَالتَّعَفُّفِ عَنِ النَّاسِ، وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَكَانَ وَحْدَهُ فَلِذَلِكَ أَكْثَرُ مُلَازَمَتَهُ، وَمُلَازَمَةُ عُمَرَ لِلنَّبِيِّ لَا تَخْفَى كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَتِهِ فِي الْمَنَاقِبِ. وَاللَّهْوُ مُطْلَقًا مَا يُلْهِي سَوَاءٌ كَانَ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا، وَفِي الشَّرْعِ مَا يَحْرُمُ فَقَطْ.

١٠ - بَاب التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ مَطَرٌ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِحَقٍّ ثُمَّ تَلَا ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ وَالْفُلْكُ: السُّفُنُ، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخَرُ السُّفُنُ الرِّيحَ، وَلَا تَمْخَرُ الرِّيحَ مِنْ السُّفُنِ إِلَّا الْفُلْكُ الْعِظَامُ

٢٠٦٣ - وَقَالَ اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَرَجَ إِلَى الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ.

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بِه.

قَوْلُهُ: (بَابُ التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ) أَيْ: إِبَاحَةُ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلتِّجَارَةِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ ثَبَتَ قَوَّى قَوْلَ مَنْ قَرَأَ الْبَرَّ فِيمَا سَبَقَ بِبَابٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَوْ بِالزَّايِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ مَطَرٌ إِلَخْ) هُوَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ الْبَصْرِيُّ مَشْهُورٌ فِي التَّابِعِينَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ وَحْدَهُ وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَبِأَنَّهُ الْوَرَّاقُ وَصَفَهُ الْمِزِّيُّ، وَالْقُطْبُ وَآخَرُونَ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ ابْنُ الْفَضْلِ الْمَرْوَزِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ، وَكَأَنَّ ظُهُورَ ذَلِكَ لَهُ مِنْ حَيْثُ أنَّ الَّذِينَ أَفْرَدُوا رِجَالَ الْبُخَارِيِّ، كَالْكَلَابَاذِيِّ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِمُ الْوَرَّاقَ الْمَذْكُورَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَوْعِبُوا مَنْ عَلَّقَ لَهُمْ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِرُكُوبِ الْبَحْرِ بَأْسًا وَيَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِحَقٍّ، وَوَجْهُ حَمْلِ مَطَرٍ ذَلِكَ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَنَّهَا سِيقَتْ فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ، وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ مَنَعَ رُكُوبَ الْبَحْرِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (الْفُلْكُ السُّفُنُ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ) هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ فَذَكَرَهُ فِي الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ: إِنَّ الْفُلْكَ بِالضَّمِّ وَالْإِسْكَانِ جَمْعُ فَلَكٍ بِفَتْحَتَيْنِ مِثْلُ أُسْدٍ وَأَسَدٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ السَّفِينَةُ فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ سُمِّيَتْ سَفِينَةً لِأَنَّهَا تَسْفُنُ وَجْهَ الْمَاءِ أَيْ: تُفَسِّرُهُ، وَالْجَمْعُ سُفُنٌ وَسَفَائِنُ وَسَفِينٌ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ. . . إِلَخْ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، قَالَ عِيَاضٌ: ضَبَطَهُ الْأَكْثَرُ بِنَصْبِ السُّفُنِ وَعَكَسَهُ الْأَصِيلِيُّ، وَالصَّوَابُ الِأَوَّلُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّيحَ الْفَاعِلُ وَهِيَ الَّتِي تَصْرِفُ السَّفِينَةَ فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ، وَضَبْطُ الْأَصِيلِيِّ صَوَابٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ إِذْ جَعَلَ الْفِعْلَ لِلسَّفِينَةِ فَقَالَ: ﴿مَوَاخِرَ فِيهِ﴾

وَقَوْلُهُ: تَمْخُرُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: تَشُقُّ يُقَالُ مَخَرَتِ السَّفِينَةُ إِذَا شَقَّتِ الْمَاءَ بِصَوْتٍ، وَقِيلَ: الْمَخْرُ الصَّوْتُ نَفْسُهُ، وَكَأَنَّ مُجَاهِدًا أَرَادَ أَنَّ شَقَّ السَّفِينَةِ لِلْبَحْرِ بِصَوْتٍ إِنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَةِ الرِّيحِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَا تَمْخُرُ. . . إِلَخْ أَنَّ الصَّوْتَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنْ كِبَارِ السُّفُنِ، أَوْ لَا يَحْصُلُ مِنَ الصِّغَارِ غَالِبًا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ