للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَمَاتَتِ الْأُمُّ وَلَمْ يَنْفَصِلْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَيَحْتَاجُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ إِلَى تَأْوِيلِ الرِّوَايَةِ وَحَمْلِهَا عَلَى أَنَّهُ انْفَصَلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

قُلْتُ: وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: فَأَسْقَطَتْ غُلَامًا قَدْ نَبَتَ شَعْرُهُ مَيِّتًا فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الِانْفِصَالِ، وَوَقَعَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، فَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ الْمَاضِيَةِ فِي الطِّبِّ: فَأَصَابَ بَطْنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَقُتِلَ وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا. وفي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ: فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ خَاصٌّ بِوَلَدِ الْحُرَّةِ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: فِي إِمْلَاصِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ عُمُومٌ لَكِنَّ الرَّاوِيَ ذَكَرَ أَنَّهُ شَهِدَ وَاقِعَةً مَخْصُوصَةً، وَقَدْ تَصَرَّفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْوَاجِبُ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ، كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا، وَعَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ خَاصٌّ بِمَنْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ (١)، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِجَنِينٍ مَحْكُومٍ بِتَهَوُّدِهِ أَوْ تَنَصُّرِهِ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَاسَهُ عَلَى الْجَنِينِ الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ أَنَّ الْقَتْلَ الْمَذْكُورَ لَا يَجْرِي مَجْرَى الْعَمْدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى ذَمِّ السَّجْعِ فِي الْكَلَامِ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إِذَا كَانَ ظَاهِرَ التَّكَلُّفِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مُنْسَجِمًا لَكِنَّهُ فِي إِبْطَالِ حَقٍّ أَوْ تَحْقِيقِ بَاطِلٍ، فَأَمَّا لَوْ كَانَ مُنْسَجِمًا وَهُوَ فِي حَقٍّ أَوْ مُبَاحٍ فَلَا كَرَاهَةَ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ فِي بَعْضِهِ مَا يُسْتَحَبُّ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إِذْعَانٌ مُخَالِفٌ لِلطَّاعَةِ كَمَا وَقَعَ لِمِثْلِ الْقَاضِي الْفَاضِلِ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ: أَوْ إِقْلَاعٌ عَنْ مَعْصِيَةٍ كَمَا وَقَعَ لِمِثْلِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ فِي بَعْضِ مَوَاعِظِهِ.

وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ وَكَذَا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الَّذِي جَاءَ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ إِلَى التَّسْجِيعِ وَإِنَّمَا جَاءَ اتِّفَاقًا لِعِظَمِ بَلَاغَتِهِ، وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُ فَقَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ عَنْ قَصْدٍ وَهُوَ الْغَالِبُ، وَمَرَاتِبُهُمْ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ جِدًّا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٢٦ - بَاب جَنِينِ الْمَرْأَةِ وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى الْوَالِدِ وَعَصَبَةِ الْوَالِدِ لَا عَلَى الْوَلَدِ

٦٩٠٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَضَى فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا.

٦٩١٠ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ جَنِينِ الْمَرْأَةِ وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى الْوَالِدِ وَعَصَبَةِ الْوَالِدِ لَا عَلَى الْوَلَدِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: هَكَذَا تَرْجَمَ أَنَّ الْعَقْلَ عَلَى الْوَالِدِ وَعَصَبَةِ الْوَالِدِ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ إِيجَابُ الْعَقْلِ عَلَى الْوَالِدِ، فَإِنْ أَرَادَ الْوَالِدَةَ الَّتِي كَانَتْ هِيَ الْجَانِيَةَ فَقَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا فَإِذَا مَاتَتْ أَوْ عَاشَتْ فَالْعَقْلُ عَلَى عَصَبَتِهَا، انْتَهَى.

وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، مُرَادُهُ أَنَّ عَقْلَ الْمَرْأَةِ الْمَقْتُولَةِ عَلَى وَالِدِ الْقَاتِلَةِ وَعَصَبَتِهِ.

قُلْتُ:


(١) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها قبل قوله ولم يتعرض "ولا سلامة تبعا" ولعل فيه سقطا وتحريفا