الْمَغَازِي بَيَانُ مَا وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ هُنَا مِنَ انْهِزَامِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَرُجُوعِهِمْ وَعَفْوِ اللَّهِ عَنْهُمْ، ﵃ وَقَوْلُهُ أَجْمَعِينَ.
قَوْلُهُ: (وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَأَخُوهُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ، وَسُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ بِلَالٍ أُرَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ) أَيِ ابْنِ ثَابِتٍ، وَلِلزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْخٌ آخَرُ وَهُوَ عُبَيْدُ بْنُ السَّبَّاقِ، لَكِنِ اخْتَلَفَ خَارِجَةُ، وَعُبَيْدٌ فِي تَعْيِينِ الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَ زَيْدٌ أَنَّهُ وَجَدَهَا مَعَ خُزَيْمَةَ فَقَالَ خَارِجَةُ: إِنَّهَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا﴾ وَقَالَ عُبَيْدٌ: إِنَّهَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا بِالْإِسْنَادَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَكَأَنَّهُمَا جَمِيعًا صَحَّا عِنْدَهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ شُعَيْبًا حَدَّثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِالْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ جَمِيعًا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ زِيَادَاتٌ لَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ خَارِجَةَ، وَانْفَرَدَ خَارِجَةُ بِوَصْفِ خُزَيْمَةَ بِأَنَّهُ الَّذِي جَعَلَ النَّبِيَّ ﷺ شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ وَسَأَذْكُرُ مَا فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ مِنْ بَحْثٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالسِّيَاقُ الَّذِي سَاقَهُ هُنَا لِابْنِ أَبِي عَتِيقٍ، وَأَمَّا سِيَاقُ شُعَيْبٍ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ وَقَالَ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ، وَتَأْتِي بَقِيَّةُ مَبَاحِثِهِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
١٣ - بَاب عَمَلٌ صَالِحٌ قَبْلَ الْقِتَالِ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ
وَقَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾
٢٨٠٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ ﵁ يَقُولُ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ، فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا.
قَوْلُهُ: (بَابُ عَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْقِتَالِ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ) هَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَلَعَلَّهُ كَانَ قَالَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَقَالَ: إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنَّنِي وَجَدْتُ ذَلِكَ فِي الْمُجَالَسَةِ لِلدِّينَوْرِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ عَمَلٌ صَالِحٌ قَبْلَ الْغَزْوِ، فَإِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ.
ثُمَّ ظَهَرَ لِي سَبَبُ تَفْصِيلِ الْبُخَارِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَ رَبِيعَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ حَلْبَسٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: (إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ) وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَبْلَهُ فَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى مَا وَرَدَ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ فَعَزَاهُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَلِذَلِكَ جَزَمَ بِهِ عَنْهُ، وَاسْتَعْمَلَ بَقِيَّةَ مَا وَرَدَ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ الْمُنْقَطِعِ فِي التَّرْجَمَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَمْ يُغْفِلْهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ الْبَرَاءِ فِي قِصَّةِ الَّذِي قُتِلَ حِينَ أَسْلَمَ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: مُنَاسَبَةُ التَّرْجَمَةِ وَالْآيَةِ لِلْحَدِيثِ ظَاهِرَةٌ وَفِي مُنَاسَبَةِ التَّرْجَمَةِ لِلْآيَةِ خَفَاءٌ وَكَأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اللَّهَ عَاتَبَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُ