قُرَيْشٍ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَنْسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَالضَّمِيرُ لِلسُّوَرِ أَوْ لِلْآيَاتِ أَوِ الصُّحُفِ الَّتِي أُحْضِرَتْ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ يَنْسَخُوا مَا فِي الْمَصَاحِفِ أَيْ يَنْقُلُوا الَّذِي فِيهَا إِلَى مَصَاحِفَ أُخْرَى، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي صُحُفٍ لَا مَصَاحِفَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُسَدَّدٌ:، حَدَّثَنَا يَحْيَى) فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ الْقَطَّانُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَقَعَ لَنَا مَوْصُولًا فِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ يَعْلَى) هُوَ ابْنُ أُمَيَّةَ وَالِدُ صَفْوَانَ.
قَوْلُهُ: (كَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِلَخْ) هَذَا صُورَتُهُ مُرْسَلٌ، لِأَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى مَا حَضَرَ الْقِصَّةَ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي كِتَابِ الْعُمْرَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ بِالْإِسْنَادِ الْآخَرِ الْمَذْكُورِ هُنَا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ هَمَّامٍ فَقَالَ فِيهِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ فَوَضَحَ أَنَّهُ سَاقَهُ هُنَا عَلَى لَفْظِ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِنَحْوِ اللَّفْظِ الَّذِي سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْحَجِّ. وَقَدْ خَفِيَ وَجْهُ دُخُولِهِ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ حَتَّى قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: ذِكْرُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أَظْهَرُ وَأَبْيَنُ، فَلَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْ بَعْضِ النُّسَّاخِ.
وَقِيلَ: بَلْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ أُرْسِلَ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَقَطْ لِكَوْنِهِمْ قَوْمَهُ، بَلْ أُرْسِلَ بِلِسَانِ جَمِيعِ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ كُلِّهُمْ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ خَاطَبَ الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي سَأَلَهُ بِمَا يَفْهَمُهُ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ بِجَوَابِ مَسْأَلَتِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِمَا يَفْهَمُهُ السَّائِلُ مِنَ الْعَرَبِ قُرَشِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ قُرَشِيٍّ، وَالْوَحْيُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا يُتْلَى أَوْ لَا يُتْلَى.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ الْوَحْيَ كُلَّهُ مَتْلُوًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَتْلُوٍّ إِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا كَوْنُهُ ﷺ بُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً عَرَبًا وَعَجَمًا وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ اللِّسَانَ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ بِهِ الْوَحْيُ عَرَبِيٌّ وَهُوَ يُبَلِّغُهُ إِلَى طَوَائِفِ الْعَرَبِ وَهُمْ يُتَرْجِمُونَهُ لِغَيْرِ الْعَرَبِ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: كَانَ إِدْخَالُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَلْيَقُ، لَكِنْ لَعَلَّهُ قَصَدَ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ الْوَحْيَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَانَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِسَانٍ وَاحِدٍ.
٣ - بَاب جَمْعِ الْقُرْآنِ
٤٩٨٦ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ﵁ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ ﵁: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ نَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute