قَالَ الْعُلَمَاءُ: سَبَبُ تَرْكِ دُخُولِهِ؛ مَا كَانَ فِي الْبَيْتِ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالصُّوَرِ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُشْرِكُونَ يَتْرُكُونَهُ لِيُغَيِّرَهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْفَتْحِ أمر بِإِزَالَةِ الصُّوَرِ ثُمَّ دَخَلَهَا، يَعْنِي كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي بَعْدَهُ. انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ الْبَيْتِ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرْطِ، فَلَوْ أَرَادَ دُخُولَهُ لَمَنَعُوهُ مِنَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ زِيَادَةً عَلَى الثَّلَاثِ، فَلَمْ يَقْصِدْ دُخُولَهُ لِئَلَّا يَمْنَعُوهُ. وَفِي السِّيرَةِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ دَخَلَهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَأَزَالَ شَيْئًا مِنَ الْأَصْنَامِ، وَفِي الطَّبَقَاتِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ نَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَمْ يُشْكِلْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الدُّخُولَ كَانَ لِإِزَالَةِ شَيْءٍ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ لَا لِقَصْدِ الْعِبَادَةِ، وَالْإِزَالَةُ فِي الْهُدْنَةِ كَانَتْ غَيْرَ مُمْكِنَةٍ بِخِلَافِ يَوْمِ الْفَتْحِ. (تَنْبِيهٌ): اسْتَدَلَّ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ ﷺ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فِي حَجَّتِهِ، وَفِي فَتْحِ مَكَّةَ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ دَخَلَهَا فِي عُمْرَتِهِ أَنَّهُ دَخَلَهَا فِي جَمِيعِ أَسْفَارِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٥٤ - بَاب مَنْ كَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْكَعْبَةِ
١٦٠١ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ف ي أَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَمَا وَاللَّهِ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ كَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْكَعْبَةِ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ﷺ كَبَّرَ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ يَرَى تَقْدِيمَ حَدِيثِ بِلَالٍ فِي إِثْبَاتِهِ الصَّلَاةَ فِيهِ عَلَيْهِ، وَلَا مُعَارَضَةَ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّرْجَمَةِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَثْبَتَ التَّكْبِيرَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِلَالٌ، وَبِلَالٌ أَثْبَتَ الصَّلَاةَ وَنَفَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ بِزِيَادَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ يُقَدَّمُ إِثْبَاتُ بِلَالٍ عَلَى نَفْي غَيْرِهِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا أَسْنَدَ نَفْيَهُ تَارَةً لِأُسَامَةَ وَتَارَةً لِأَخِيهِ الْفَضْلِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْفَضْلَ كَانَ مَعَهُمْ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ نَفْيَ الصَّلَاةِ فِيهَا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَلَقَّاهُ عَنْ أُسَامَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ مَعَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى عَنْهُ نَفْيَ الصَّلَاةِ فِيهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَقَدْ وَقَعَ إِثْبَاتُ صَلَاتِهِ فِيهَا عَنْ أُسَامَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أُسَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، فَتَعَارَضَتِ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْهُ، فَتَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ بِلَالٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُثْبِتٌ وَغَيْرُهُ نَافٍ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ، وَاخْتُلِفَ عَلَى مَنْ نَفَى، وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: يُجْمَعُ بَيْنَ إِثْبَاتِ بِلَالٍ وَنَفْيِ أُسَامَةَ بِأَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْكَعْبَةَ اشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ، فَرَأَى أُسَامَةُ النَّبِيَّ ﷺ يَدْعُو،
فَاشْتَغَلَ أُسَامَةُ بِالدُّعَاءِ فِي نَاحِيَةٍ وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي نَاحِيَةٍ، ثُمَّ صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ، فَرَآهُ بِلَالٌ لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَلَمْ يَرَهُ أُسَامَةُ لِبُعْدِهِ وَاشْتِغَالِهِ، وَلِأَنَّ بِإِغْلَاقِ الْبَابِ تَكُونُ الظُّلْمَةُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَحْجُبَهُ عَنْهُ بَعْضُ الْأَعْمِدَةِ، فَنَفَاهَا عَمَلًا بِظَنِّهِ، وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُسَامَةُ غَابَ عَنْهُ بَعْدَ دُخُولِهِ لِحَاجَةٍ فَلَمْ يَشْهَدْ صَلَاتَهُ. انْتَهَى. وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْرَانَ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْكَعْبَةِ فَرَأَى صُوَرًا، فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَضَرَبَ بِهِ الصُّوَرَ. فَهَذَا الْإِسْنَادُ جَيِّدٌ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَلَعَلَّهُ اسْتَصْحَبَ النَّفْيَ لِسُرْعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute