قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ حَكَمَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حَدٍّ أَمَرَ أَنْ يُخْرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَيُقَامَ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى مَنْ خَصَّ جَوَازَ الْحُكْمِ فِي الْمَسْجِدِ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ يَتَأَذَّى بِهِ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ يَقَعُ بِهِ لِلْمَسْجِدِ نَقْصٌ كَالتَّلْوِيثِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ: أَخْرِجَاهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَضَرَبَهُ، وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ) أَمَّا أَثَرُ عُمَرَ فَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ فِي حَدٍّ فَقَالَ: أَخْرِجَاهُ مِنَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ اضْرِبَاهُ وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَمَّا أَثَرُ عَلِيٍّ فَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَعْقِلٍ وَهُوَ بِمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَقَافٍ مَكْسُورَةٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى عُمَرَ فَسَارَّهُ، فَقَالَ: يَا قَنْبَرُ أَخْرِجْهُ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَأَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَفِي سَنَدِهِ مَنْ فِيهِ مَقَالٌ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَفِيهِ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمُرَادُ فِي التَّرْجَمَةِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ خَدْشٍ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ يَحْتَاجُ إِلَى قَدْرٍ زَائِدٍ مِنْ حَفْرٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُلَائِمُ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ فِيهِ تَرْكُ إِقَامَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْحُدُودِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ رَجْمِ الْمُحْصَنِ مِنْ كِتَابِ الْحُدُودِ.
قَوْلُهُ: (رَوَاهُ يُونُسُ، وَمَعْمَرٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ) يُرِيدُ أَنَّهُمْ خَالَفُوا عُقَيْلًا فِي الصَّحَابِيِّ، فَإِنَّهُ جَعَلَ أَصْلَ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ بِالْمُصَلَّى وَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا الْحَدِيثَ كُلَّهُ عَنْ جَابِرٍ، وَرِوَايَةُ مَعْمَرٍ وَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الْحُدُودِ، وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ يُونُسَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ فَوَصَلَهَا وَتَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا هُنَاكَ أَيْضًا، حَيْثُ قَالَ عَقِبَ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: لَمْ يَقُلْ يُونُسُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: ذَهَبَ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْمَسْجِدِ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَجَازَهُ الشَّعْبِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالضَّرْبِ بِالسِّيَاطِ الْيَسِيرَةِ، فَإِذَا كَثُرَتِ الْحُدُودُ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَقَوْلُ مَنْ نَزَّهَ الْمَسْجِدَ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى، وَفِي الْبَابِ حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ فِي النَّهْيِ عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ فِيهِ حَدِيثُ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَوَاثِلَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ، وَأَصْلُهُ فِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْحُدُودِ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: خِصَالٌ لَا تَنْبَغِي فِي الْمَسْجِدِ: لَا يُتَّخَذُ طَرِيقًا الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: وَلَا يُضْرَبُ فِيهِ حَدٌّ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: مَنْ كَرِهَ إِدْخَالَ الْمَيِّتِ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ خَشْيَةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْلَى بِأَنْ يَقُولَ لَا يُقَامَ الْحَدُّ فِي الْمَسْجِدِ؛ إِذْ لَا يُؤْمَنُ خُرُوجُ الدَّمِ مِنَ الْمَجْلُودِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْقَتْلِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ.
٢٠ - بَاب مَوْعِظَةِ الْإِمَامِ لِلْخُصُومِ
٧١٦٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابنة أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute