الشَّيْبِ. وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ تَحْرِيمَهُ لِثُبُوتِ الزَّجْرِ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَتَصْفِيفُهَا طَاقَةً طَاقَةً تَصَنُّعًا وَمَخِيلَةً، وَكَذَا تَرْجِيلُهَا وَالتَّعَرُّضُ لَهَا طُولًا وَعَرْضًا عَلَى مَا فِيهِ مِنَ اخْتِلَافٍ، وَتَرْكُهَا شَعِثَةً إِيهَامًا لِلزُّهْدِ، وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا إِعْجَابًا، وَزَادَ النَّوَوِيُّ: وَعَقْدُهَا، لِحَدِيثِ رُوَيْفِعٍ رَفَعَهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا مِنْهُ بَرِيءٌ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قِيلَ الْمُرَادُ عَقْدُهَا فِي الْحَرْبِ وَهُوَ مِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مُعَالَجَةُ الشَّعْرِ لِيَنْعَقِدَ، وَذَلِكَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ التَّأْنِيثِ.
(تَنْبِيهٌ): أَنْكَرَ ابْنُ التِّينِ ظَاهِرَ مَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِ الْقَبْضَةِ مِنْ لِحْيَتِهِ، بَلْ كَانَ يُمْسِكُ عَلَيْهَا فَيُزِيلُ مَا شَذَّ مِنْهَا، فَيُمْسِكُ مِنْ أَسْفَلِ ذَقْنِهِ بِأَصَابِعِهِ الْأَرْبَعَةِ مُلْتَصِقَةٍ فَيَأْخُذُ مَا سَفَلَ عَنْ ذَلِكَ لِيَتَسَاوَى طُولُ لِحْيَتِهِ. قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَقَدْ حَدَّثَ قَوْمٌ يَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ، وَهُوَ أَشَدُّ مِمَّا نُقِلَ عَنِ الْمَجُوسِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُصُّونَهَا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَثْنَى مِنَ الْأَمْرِ بِإِعْفَاءِ اللِّحَى مَا لَوْ نَبَتَتْ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا حَلْقُهَا، وَكَذَا لَوْ نَبَتَ لَهَا شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابِ الْمُتَنَمِّصَاتِ.
٦٥ - بَاب إِعْفَاءِ اللِّحَى. وعَفَوْا: كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ
٥٨٩٣ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عبدة، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أنْهَكُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِعْفَاءِ اللِّحَى) كَذَا اسْتَعْمَلَهُ مِنَ الرُّبَاعِيِّ، وَهُوَ بِمَعْنَى التَّرْكِ. ثُمَّ قَالَ: عَفَوْا كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ وَأَرَادَ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْأَعْرَافِ: ﴿حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾ فَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ بَيَانُ مَنْ فَسَّرَ قَوْلَهُ عَفَوْا بكْثُرُوا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَصْلِ الْمَادَّةِ، أَوْ إِلَى أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَعْفُوا اللِّحَى جَاءَ بِالْمَعْنَيَيْنِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَعَلَى الثَّانِي بِهَمْزَةِ وَصْلٍ، وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ مِنْهُمُ ابْنُ التِّينِ قَالَ: وَبِهَمْزَةِ قَطْعٍ أَكْثَرُ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: تَفْسِيرُ الْإِعْفَاءِ بِالتَّكْثِيرِ مِنْ إِقَامَةِ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبِّبِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعْفَاءِ التَّرْكُ، وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِلِّحْيَةِ يَسْتَلْزِمُ تَكْثِيرَهَا. وَأَغْرَبَ ابْنُ السَّيِّدِ فَقَالَ: حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: أَعْفُوا اللِّحَى، عَلَى الْأَخْذِ مِنْهَا بِإِصْلَاحِ مَا شَذَّ مِنْهَا طُولًا وَعَرْضًا، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ زُهَيْرٍ
عَلَى آثَارِ مَنْ ذَهَبَ الْعَفَاءُ
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى وَفِّرُوا أَوْ كَثِّرُوا، وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَهِمَ مِنَ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ أَعْفُوا اللِّحَى تَجْوِيزَ مُعَالَجَتِهَا بِمَا يُغْزِرُهَا كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ، قَالَ: وَكَأَنَّ الصَّارِفَ على ذَلِكَ قَرِينَةُ السِّيَاقِ فِي قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْخَبَرِ وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ بَقِيَّةِ طُرُقِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى مُجَرَّدِ التَّرْكِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ): فِي قَوْلِهِ أَعْفُوا وَأَحْفُوا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْبَدِيعِ: الْجِنَاسُ وَالْمُطَابَقَةُ وَالْمُوَازَنَةُ.
٦٦ - مَا يُذْكَرُ فِي الشَّيْبِ
٥٨٩٤ - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَخَضَبَ النَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: لَمْ يَبْلُغْ الشَّيْبَ إِلَّا قَلِيلًا.
٥٨٩٥ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ