كَلْبًا وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ كَلْبِ الصَّيْدِ لِلْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ كَلْبُكَ وَأَجَابَ مَنْ مَنَعَ بِأَنَّهَا إِضَافَةُ اخْتِصَاصٍ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِ كَلْبِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْكِلَابِ لِلْإِذْنِ فِي الْأَكْلِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْغَسْلَ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ إِلَى الْبَيَانِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُعْفَى عَنْ مَعَضِّ الْكَلْبِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ بِأَنَّ وُجُوبَ الْغَسْلِ كَانَ قَدِ اشْتَهَرَ عِنْدَهُمْ وَعُلِمَ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يَتَقَوَّى الْقَوْلُ بِالْعَفْوِ لِأَنَّهُ بِشِدَّةِ الْجَرْيِ يَجِفُّ رِيقُهُ فَيُؤْمَنُ مَعَهُ مَا يُخْشَى مِنْ إِصَابَةِ لُعَابِهِ مَوْضِعَ الْعَضِّ، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ كُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ بِأَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَاصْطَادَ غَيْرَهُ حَلَّ، لِلْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ مَا أَمْسَكَ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْبُوَيْطِيِّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَيْسَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ مِنَ الْآيِ وَالْأَحَادِيثِ تَعَرُّضٌ لِلتَّسْمِيَةِ الْمُتَرْجَمِ عَلَيْهَا إِلَّا آخِرُ حَدِيثِ عَدِيٍّ، فَكَأَنَّهُ عَدَّهُ بَيَانًا لِمَا أَجْمَلَتْهُ الْأَدِلَّةُ مِنَ التَّسْمِيَةِ، وَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ خِلَافٌ فِي الْمُجْمَلِ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ مُبَيِّنَةٌ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الدَّلِيلُ الْمُجْمَلُ مَعَهَا أَوْ إِيَّاهَا خَاصَّةً؟ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ الْأَحَادِيثَ يُوهِمُ أَنَّ فِي الْبَابِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إِلَّا حَدِيثَ عَدِيٍّ، نَعَمْ ذَكَرَ فِيهِ تَفَاسِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَأَنَّهُ عَدَّهَا أَحَادِيثَ، وَبَحْثُهُ فِي التَّسْمِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ حَدِيثِ عَدِيٍّ مَرْدُودٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ، وَإِنَّمَا جَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي الْإِشَارَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ، وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ وَمِنْ رِوَايَةِ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ فَلَمَّا كَانَ الْأَخْذُ بِقَيْدِ الْمُعَلَّمِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى كَانَتِ التَّسْمِيَةُ كَذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٢ - بَاب صَيْدِ الْمِعْرَاضِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ: تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ. وَكَرِهَهُ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ، وَكَرِهَ الْحَسَنُ رَمْيَ الْبُنْدُقَةِ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَلَا يَرَى بَأْسًا فِيمَا سِوَاهُ
٥٤٧٦ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ ﵁ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْمِعْرَاضِ؟ فَقَالَ: إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، فَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ. فَقُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي. قَالَ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ. قُلْتُ: فَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ، إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ. قَالَ: لَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الآخَر.
قَوْلُهُ (بَابُ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ: تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ، وَكَرِهَهُ سَالِمٌ، وَالْقَاسِمُ، وَمُجَاهِدٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ) أَمَّا أَثَرُ ابْنِ عُمَرَ فَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ، عَنْ زُهَيْرٍ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْمَقْتُولَةُ بِالْبُنْدُقَةِ تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ مَا أَصَابَتِ الْبُنْدُقَةُ وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute