الْمُرَادَ بِالدَّوَامِ أَعَمُّ مِنَ الْفِعْلِ وَالْقُوَّةِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ لِذَلِكَ مُزِيلًا، وَيُفِيدُ قَوْلُهُ: يُكْثِرُ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ كَثِيرًا.
قَوْلُهُ: (مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ - إِلَى قَوْلِهِ: - وَالْجُبْنِ) يَأْتِي شَرْحُهُ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (وَضَلَعِ الدَّيْنِ) أَصْلُ الضَّلَعِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ: الِاعْوِجَاجُ، يُقَالُ: ضَلَعَ بِفَتْحِ اللَّامِ يَضْلَعُ، أَيْ: مَالَ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ثِقَلُ الدَّيْنِ وَشِدَّتُهُ، وَذَلِكَ حَيْثُ لَا يَجِدُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَفَاءً، وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْمُطَالَبَةِ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا دَخَلَ هَمُّ الدَّيْنِ قَلْبًا إِلَّا أَذْهَبَ مِنَ الْعَقْلِ مَا لَا يَعُودُ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) أَيْ شِدَّةِ تَسَلُّطِهِمْ، كَاسْتِيلَاءِ الرِّعَاعِ هَرْجًا وَمَرْجًا، قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ ; لِأَنَّ أَنْوَاعَ الرَّذَائِلِ ثَلَاثَةٌ؛ نَفْسَانِيَّةٌ، وَبَدَنِيَّةٌ، وَخَارِجِيَّةٌ.
فَالْأُولَى بِحَسَبِ الْقُوَى الَّتِي لِلْإِنْسَانِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ؛ الْعَقْلِيَّةُ، وَالْغَضَبِيَّةُ وَالشَّهْوَانِيَّةُ، فَالْهَمُّ وَالْحَزَنُ يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْلِيَّةِ، وَالْجُبْنُ بِالْغَضَبِيَّةِ، وَالْبُخْلُ بِالشَّهْوَانِيَّةِ، وَالْعَجْزُ وَالْكَسَلُ بِالْبَدَنِيَّةِ. وَالثَّانِي يَكُونُ عِنْدَ سَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ وَتَمَامِ الْآلَاتِ وَالْقُوَى، وَالْأَوَّلُ عِنْدَ نُقْصَانِ عُضْوٍ وَنَحْوِهِ، وَالضَّلَعُ وَالْغَلَبَةُ بِالْخَارِجِيَّةِ، فَالْأَوَّلُ مَالِيٌّ، وَالثَّانِي جَاهِيٌّ، وَالدُّعَاءُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ.
٣٧ - بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ
٦٣٦٤ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ خَالِدٍ بِنْتَ خَالِدٍ - قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ غَيْرَهَا - قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ.
قَوْلُهُ: (سُفْيَانُ) هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَأُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ اسْمُهَا: أَمَةُ - بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ - بِنْتُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي اللِّبَاسِ، وَأَنَّهَا وُلِدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ لَمَّا هَاجَرَ أَبَوَاهَا إِلَيْهَا، ثُمَّ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، وَكَانَتْ صَغِيرَةً فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ حَفِظَتْ عَنْهُ.
٦٣٦٥ - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ مُصْعَبٍ قَالَ: كَانَ سَعْدٌ يَأْمُرُ بِخَمْسٍ، وَيَذْكُرُهُنَّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِهِنَّ اللَّهُمَّ: إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا - يَعْنِي فِتْنَةَ الدَّجَّالِ - وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
٦٣٦٦ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَتَا لِي: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ فَكَذَّبْتُهُمَا وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا فَخَرَجَتَا، وَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ … وَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: صَدَقَتَا، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ كُلُّهَا، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ
قَوْلُهُ: (بَابُ التَّعَوُّذِ مِنَ الْبُخْلِ) كَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ هُنَا لِلْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ، وَهِيَ غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ فِي الْبَابِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ الْبُخْلِ، لَكِنْ قَدْ تَرْجَمَ لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ بِعَيْنِهَا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ، وَذَكَرَ فِيهِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ بِعَيْنِهِ، ثَانِيهِمَا: أَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِي مُخْتَصٌّ بِعَذَابِ الْقَبْرِ لَا ذِكْرَ لِلْبُخْلِ فِيهِ أَصْلًا، فَهُوَ بَقِيَّةٌ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ اللَّائِقُ بِهِ، وَقَوْلُهُ: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ كَمَا سَيَأْتِي مَنْسُوبًا فِي الْبَابِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ