يَتَعَاطَاهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَرَّ طَائِرٌ فَصَاحَ، فَقَالَ رَجُلٌ: خَيْرٌ خَيْرٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا عِنْدَ هَذَا لَا خَيْرَ وَلَا شَرَّ. وَقَالَ أَيْضًا: الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ أَنَّ الْفَأْلَ مِنْ طَرِيقِ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ، وَالطِّيَرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي السُّوءِ فَلِذَلِكَ كُرِهَتْ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْفَأْلُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَسُوءُ وَفِيمَا يَسُرُّ، وَأَكْثَرُهُ فِي السُّرُورِ.
وَالطِّيَرَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الشُّؤْمِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي السُّرُورِ اهـ. وَكَأَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ، وَأَمَّا الشَّرْعُ فَخَصَّ الطِّيَرَةَ بِمَا يَسُوءُ وَالْفَأْلُ بِمَا يَسُرُّ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يُقْصَدَ إِلَيْهِ فَيَصِيرُ مِنَ الطِّيَرَةِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: جَعَلَ اللَّهُ فِي فِطَرِ النَّاسِ مَحَبَّةَ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَالْأُنْسَ بِهَا كَمَا جَعَلَ فِيهِمُ الِارْتِيَاحَ بِالْمَنْظَرِ الْأَنِيقِ وَالْمَاءِ الصَّافِي وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَشْرَبُهُ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ يُعْجِبُهُ أَنْ يَسْمَعَ: يَا نَجِيحُ يَا رَاشِدُ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لَا يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيْءٍ، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ عَامِلًا يَسْأَلُ عَنِ اسْمِهِ، فَإِذَا أَعْجَبَهُ فَرِحَ بِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئِيَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ الْحَلِيمِيِّ مَا مُلَخَّصُهُ: كَانَ التَّطَيُّرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْعَرَبِ إِزْعَاجَ الطَّيْرِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْخُرُوجِ لِلْحَاجَةِ، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِصَوْتِ الْغُرَابِ وَبِمُرُورِ الظِّبَاءِ فَسَمَّوُا الْكُلَّ تَطَيُّرًا، لِأَنَّ أَصْلَهُ الْأَوَّلُ. قَالَ: وَكَانَ التَّشَاؤُمُ فِي الْعَجَمِ إِذَا رَأَى الصَّبِيَّ ذَاهِبًا إِلَى الْمُعَلِّمِ تَشَاءَمَ أَوْ رَاجِعًا تَيَمَّنَ، وَكَذَا إِذَا رَأَى الْجَمَلَ مُوقَرًا حِمْلًا تَشَاءَمَ، فَإِنْ رَآهُ وَاضِعًا حِمْلَهُ تَيَمَّنَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَجَاءَ الشَّرْعُ بِرَفْعِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَالَ: مَنْ تَكَهَّنَ أَوْ رَدَّهُ عَنْ سَفَرٍ تَطَيُّرٌ فَلَيْسَ مِنَّا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.
وَذَلِكَ إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الَّذِي يُشَاهِدُهُ مِنْ حَالِ الطَّيْرِ مُوجِبًا مَا ظَنَّهُ وَلَمْ يُضِفِ التَّدْبِيرَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى -، فَأَمَّا إِنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُدَبِّرُ وَلَكِنَّهُ أَشْفَقَ مِنَ الشَّرِّ لِأَنَّ التَّجَارِبَ قَضَتْ بِأَنَّ صَوْتًا مِنْ أَصْوَاتِهَا مَعْلُومًا أَوْ حَالًا مِنْ أَحْوَالِهَا مَعْلُومَةً يُرْدِفُهَا مَكْرُوهٌ فَإِنْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ أَسَاءَ، وَإِنْ سَأَلَ اللَّهَ الْخَيْرَ وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنَ الشَّرِّ وَمَضَى مُتَوَكِّلًا لَمْ يَضُرَّهُ مَا وَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَيُؤَاخَذُ بِهِ، وَرُبَّمَا وَقَعَ بِهِ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ بِعَيْنِهِ الَّذِي اعْتَقَدَهُ عُقُوبَةً لَهُ كَمَا كَانَ يَقَعُ كَثِيرًا لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ ﷺ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ لِأَنَّ التَّشَاؤُمَ سُوءُ ظَنِّ بِاللَّهِ - تَعَالَى - بِغَيْرِ سَبَبٍ مُحَقَّقٍ، وَالتَّفَاؤُلُ حُسْنُ ظَنٍّ بِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: مَعْنَى التَّرَخُّصِ فِي الْفَأْلِ وَالْمَنْعُ مِنَ الطِّيَرَةِ هُوَ أَنَّ الشَّخْصَ لَوْ رَأَى شَيْئًا فَظَنَّهُ حَسَنًا مُحَرِّضًا عَلَى طَلَبِ حَاجَتِهِ فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ. وَإِنْ رَآهُ بِضِدِّ ذَلِكَ فَلَا يَقْبَلُهُ بَلْ يَمْضِي لِسَبِيلِهِ. فَلَوْ قَبِلَ وَانْتَهَى عَنِ الْمُضِيِّ فَهُوَ الطِّيَرَةُ الَّتِي اخْتُصَّتْ بِأَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي الشُّؤْمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٤٥ - بَاب لَا هَامَةَ
٥٧٥٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ.
قَوْلُهُ (بَابُ لَا هَامَةَ) كَذَا لِلْجَمِيعِ، وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ، ثُمَّ تَرْجَمَ بَعْدَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ: بَابُ لَا هَامَةَ، وَذَكَرَ فِيهِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مُطَوَّلًا وَلَيْسَ فِيهِ: وَلَا طِيَرَةَ، وَهَذَا مِنْ نوادر مَا اتَّفَقَ لَهُ أَنْ يُتَرْجِمَ لِلْحَدِيثِ فِي مَوْضِعَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَسَأَذْكُرُ شَرْحَ الْهَامَةِ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ أَشَارَ بِتَكْرَارِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ الْهَامَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute