للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَائِدَةٌ): رَتَّبَ الْمُصَنِّفُ أَحَادِيثَ هَذَا الْبَابِ تَرْتِيبًا حَسَنًا، فَبَدَأَ بِالْحَدِيثِ الْمُطْلَقِ، وَثَنَّى بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى غَايَةِ الْوَقْتِ الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا الْإِبْرَادُ وَهُوَ ظُهُورُ فَيْءِ التُّلُولِ، وَثَلَّثَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ بَيَانُ الْعِلَّةِ فِي كَوْنِ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ مَحْمُولًا عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَرَبَّعَ بِالْحَدِيثِ الْمُفْصِحِ بِالتَّقْيِيدِ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

١٠ - بَاب الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ

٥٣٩ - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ مَوْلَى لِبَنِي تَيْمِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَبْرِدْ. ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ. حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿يَتَفَيَّأُ﴾ يتَمَيَّلُ.

قَوْلُهُ: (بَابُ الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ) أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ الْإِبْرَادَ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَضَرِ، لَكِنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ الْمُسَافِرُ نَازِلًا، أَمَّا إِذَا كَانَ سَائِرًا أَوْ عَلَى سَيْرٍ فَفِيهِ جَمْعُ التَّقْدِيمِ أَوِ التَّأْخِيرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ الْمَاضِيَ مُقَيَّدًا بِالسَّفَرِ، مُشِيرًا بِهِ إِلَى أَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ الْمُطْلَقَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذِهِ الْمُقَيَّدَةِ.

قَوْلُهُ: (فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ) فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ شَبَابَةَ، وَمُسَدَّدٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ، وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، وَوَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَالْجَوْزَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ وَهْبٍ أَيْضًا، كُلِّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ بِلَالٌ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَجَزَمَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُعْبَةَ بِذِكْرِ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْأَذَانِ لِلْمُسَافِرِينَ فَإِنْ قِيلَ: الْإِبْرَادُ لِلصَّلَاةِ فَكَيْفَ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ بِهِ لِلْأَذَانِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ هَلْ هُوَ لِلْوَقْتِ أَوْ لِلصَّلَاةِ؟ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، وَالْأَمْرُ الْمَذْكُورُ يُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لِلصَّلَاةِ. وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ عَادَتَهُمْ جَرَتْ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَخَلَّفُونَ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ عَنِ الْحُضُورِ إِلَى الْجَمَاعَةِ، فَالْإِبْرَادُ بِالْأَذَانِ لِغَرَضِ الْإِبْرَادِ بِالْعِبَادَةِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْذِينِ هُنَا الْإِقَامَةُ.

قُلْتُ: وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُؤَذِّنَ، وَفِيهِ: ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ إِقَامَتَهُ كَانَتْ لَا تَتَخَلَّفُ عَنِ الْأَذَانِ لِمُحَافَظَتِهِ ﷺ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَرِوَايَةُ: فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ أَيْ أَنْ يُؤَذِّنَ ثُمَّ يُقِيمَ، وَرِوَايَةُ: فَأَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ؛ أَيْ: ثُمَّ يُقِيمَ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ) هَذِهِ الْغَايَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ أَيْ كَانَ يَقُولُ لَهُ فِي الزَّمَانِ الَّذِي قَبْلَ الرُّؤْيَةِ أَبْرِدْ، أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَبْرِدْ أَيْ قَالَ لَهُ: أَ برِدْ إِلَى أَنْ تَرَى، أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ؛ أَيْ: قَالَ لَهُ: أَبْرِدْ، فَأَبْرَدَ إِلَى أَنْ رَأَيْنَا، وَالْفَيْءُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ: هُوَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنَ الظِّلِّ، وَالتُّلُولُ جَمْعُ تَلٍّ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ: كُلُّ مَا اجْتَمَعَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ رَمْلٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهِيَ فِي الْغَالِبِ مُنْبَطِحَةٌ غَيْرُ شَاخِصَةٍ فَلَا يَظْهَرُ لَهَا ظِلٌّ إِلَّا إِذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ وَقْتِ الظُّهْرِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي غَايَةِ الْإِبْرَادِ، فَقِيلَ: حَتَّى يَصِيرَ الظِّلُّ ذِرَاعًا بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ، وَقِيلَ: رُبُعَ قَامَةٍ، وَقِيلَ ثُلُثَهَا، وَقِيلَ نِصْفَهَا، وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ. وَنَزَّلَهَا الْمَازِرِيُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، وَالْجَارِي عَلَى