للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَفَاعِلُ قَالَ هُوَ النَّبِيُّ وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ قَبْلُ، وَوَهِمَ مَنْ جَعَلَهُ مَوْقُوفًا أَوْ مُعَلَّقًا. وَقَدْ أَفْرَدَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ، وَكَذَلِكَ السَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الشَّكْوَى هَلْ هِيَ بِلِسَانِ الْمَقَالِ أَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ؟ وَاخْتَارَ كُلًّا طَائِفَةٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ وَنَظَائِرُ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ، وَقَالَ عِيَاضٌ: إِنَّهُ الْأَظْهَرُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا إِحَالَةَ فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ. قَالَ: وَإِذَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ بِأَمْرٍ جَائِزٍ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَأْوِيلِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَوْلَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ هُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ نَحْوَ ذَلِكَ التُّورِبِشْتِيُّ، وَرَجَّحَ الْبَيْضَاوِيُّ حَمْلَهُ عَلَى الْمَجَازِ فَقَالَ: شَكَوَاهَا مَجَازٌ عَنْ غَلَيَانِهَا، وَأَكْلُهَا بَعْضُهَا بَعْضًا مَجَازٌ عَنِ ازْدِحَامِ أَجْزَائِهَا، وَتَنَفُّسُهَا مَجَازٌ عَنْ خُرُوجِ مَا يَبْرُزُ مِنْهَا. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: الْمُخْتَارُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِصَلَاحِيَّةِ الْقُدْرَةِ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّ اسْتِعَارَةَ الْكَلَامِ لِلْحَالِ وَإِنْ عُهِدَتْ وَسُمِعَتْ، لَكِنَّ الشَّكْوَى وَتَفْسِيرَهَا وَالتَّعْلِيلَ لَهُ وَالْإِذْنَ وَالْقَبُولَ وَالتَّنَفُّسَ وَقَصْرَهُ عَلَى اثْنَيْنِ فَقَطْ بَعِيدٌ مِنَ الْمَجَازِ خَارِجٌ عَمَّا أُلِفَ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ.

قَوْلُهُ (بِنَفَسَيْنِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَالنَّفَسُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْجَوْفِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الْهَوَاءِ.

قَوْله (نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ) بِالْجَرِّ فِيهِمَا عَلَى الْبَدَلِ أَوِ الْبَيَانِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ.

قَوْله (أَشُدُّ) يَجُوزُ الْكَسْرُ فِيهِ عَلَى الْبَدَلِ، لَكِنَّهُ فِي رِوَايَتِنَا بِالرَّفْعِ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: فَذَلِكَ أَشَدُّ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: جَعْلَ أَشَدَّ مُبْتَدَأً مَحْذُوفَ الْخَبَرِ أَوْلَى، وَالتَّقْدِيرُ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ مِنْ ذَلِكَ النَّفَسِ.

قُلْتُ: يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظٍ فَهُوَ أَشَدُّ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، وَفِي سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ، وَهُوَ مُرَتَّبٌ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ. وَالْمُرَادُ بِالزَّمْهَرِيرِ شِدَّةُ الْبَرْدِ، وَاسْتُشْكِلَ وُجُودُهُ فِي النَّارِ، وَلَا إِشْكَالَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّارِ مَحَلُّهَا، وَفِيهَا طَبَقَةٌ زَمْهَرِيرِيَّةٌ: وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ النَّارَ لَا تُخْلَقُ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ غَالِبًا فِي وَقْتِ الصُّبْحِ فَلَا تَزُولُ إِلَّا بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، فَلَوْ أُخِّرَتْ لَخَرَجَ الْوَقْتُ.

الثَّانِي: النَّفَسُ الْمَذْكُورُ يَنْشَأُ عَنْهُ أَشَدُّ الْحَرِّ فِي الصَّيْفِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتَصِرْ فِي الْأَمْرِ بِالْإِبْرَادِ عَلَى أَشَدِّهِ لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ عِنْدَ شَدِيدِهِ أَيْضًا، فَالْأَشَدِّيَّةُ تَحْصُلُ عِنْدَ التَّنَفُّسِ، وَالشِّدَّةُ مُسْتَمِرَّةٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَسْتَمِرُّ الْإِبْرَادُ إِلَى أَنْ تَذْهَبَ الشِّدَّةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْله (بِالظُّهْرِ) قَدْ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِبْرَادِ لِلْجُمُعَةِ، وَقَالَ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا سَيَأْتِي تَوْجِيهُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْله (تَابَعَهُ سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ. قَدْ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي صِفَةِ النَّارِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ وَلَفْظُهُ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ أَرَهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بِلَفْظِ بِالظُّهْرِ وَفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ عَلَى الثَّوْرِيِّ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَدَلَ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ، وَالْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَيْضًا، ثُمَّ رَوَى عَنِ الذُّهْلِيِّ قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَصْحَابُ الْأَعْمَشِ عَنْهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَهَذِهِ الطَّرِيقُ أَشْهَرُ. وَرَوَاهُ زَائِدَةُ وَهُوَ مُتْقِنٌ عَنْهُ، فَقَالَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَالطَّرِيقَانِ عِنْدِي مَحْفُوظَانِ؛ لِأَنَّ الثَّوْرِيَّ رَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ بِالْوَجْهَيْنِ.

قَوْله (وَيَحْيَى) هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ. وَقَدْ وَصَلَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ بِلَفْظٍ بِالصَّلَاةِ وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنِ الْمُقَدَّمِيِّ، عَنْ يَحْيَى بِلَفْظِ بِالظُّهْرِ.

قَوْله (وَأَبُو عَوَانَةَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ وَصَلَهُ عَنْهُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ السَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ أَيْضًا بِلَفْظِ بِالظُّهْرِ.