عَلَى الْبِغَاءِ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَتَيَاتِكُمْ: إِمَاءَكُمْ)، وَقَعَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ قَالَ: لَا تُكْرِهُوا إِمَاءَكُمْ عَلَى الزِّنَا، وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ﴾ قَالَ: إِمَاءَكُمْ عَلَى الزِّنَا، وَزَادَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ: أَمَرَ أَمَةً لَهُ بِالزِّنَا فَزَنَتْ فَجَاءَتْ بِبُرْدٍ، فَقَالَ: ارْجِعِي فَازْنِي عَلَى آخَرَ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَنَا بِرَاجِعَةٍ فَنَزَلَتْ وَهَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا، وَسَمَّاهَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ مُعَاذَةَ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا وَاتَّفَقُوا عَلَى تَسْمِيَتِهَا مُعَاذَةَ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا قَالَ: جَاءَتْ مُسَيْكَةُ أَمَةٌ لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدِي يُكْرِهُنِي عَلَى الْبِغَاءِ، فَنَزَلَتْ.
فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمَا، وَزَعَمَ مُقَاتِلٌ أَنَّهُمَا مَعًا كَانَتَا أَمَتَيْنِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَزَادَ مَعَهُنَّ غَيْرَهُنَّ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ إِذَا لَمْ يُرِدْنَ التَّعَفُّفَ؛ لِأَنَّهُنَّ حِينَئِذٍ فِي مَقَامِ الِاخْتِيَارِ، وَقَوْلُهُ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَتَيَاتِكُمْ: إِمَاءَكُمْ وَقَعَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَذَكَرَهُ النَّسَفِيُّ لَكِنْ لَمْ يَنْسُبْهُ لِمُجَاهِدٍ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: فَتَيَاتِكُمُ الْإِمَاءَ، وَهُوَ فِي تَفْسِيرِ الْفِرْيَابِيِّ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ﴾ يَقُولُ: إِمَاءَكُمْ. ﴿عَلَى الْبِغَاءِ﴾ عَلَى الزِّنَا. ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَبِي مَسْعُودٍ فِي النَّهْيِ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ كَسْبِ الْإِمَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ وَفِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ شَرْحِهِمَا مَا فِيهِ مَزِيدُ كِفَايَةٍ.
٢١ - بَاب عَسْبِ الْفَحْلِ
٢٢٨٤ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ عَسْبِ الْفَحْلِ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ، وَالْعَسْبُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفِي آخِرِهِ مُوَحَّدَةٍ، وَيُقَالُ لَهُ: الْعَسِيبُ أَيْضًا، وَالْفَحْلُ: الذَّكَرُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ، فَرَسًا كَانَ أَوْ جَمَلًا أَوْ تَيْسًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: نَهَى عَنْ عَسْبِ التَّيْسِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: هُوَ مِمَنُ مَاءِ الْفَحْلِ، وَقِيلَ: أُجْرَةُ الْجِمَاعِ، وَعَلَى الْأَخِيرِ جَرَى الْمُصَنِّفُ. وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: نَهَى عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ، وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ، وَيُؤَيِّدُ الْحَمْلَ عَلَى الْإِجَارَةِ لَا الثَّمَنِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ قَتَادَةَ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَجْرَ ضِرَابِ الْجَمَلِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ: أَعْسَبَ الرَّجُلُ عَسِيبًا اكْتَرَى مِنْهُ فَحْلًا يُنْزِيهِ.
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَبَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلَا مَعْلُومٍ وَلَا مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ قَوَّاهَا الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ لِأَمَدٍ مَجْهُولٍ، وَأَمَّا إِذَا اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَلَا بَأْسَ كَمَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِتَلْقِيحِ النَّخْلِ، وَتُعُقِّبَ بِالْفَرْقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَاءُ الْفَحْلِ وَصَاحِبُهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ بِخِلَافِ التَّلْقِيحِ، ثُمَّ النَّهْيُ عَنِ الشِّرَاءِ وَالْكِرَاءِ إِنَّمَا صَدَرَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، وَأَمَّا عَارِيَةُ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute