للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِحَذْفِ الْفَاعِلِ، وَلِغَيْرِهِ نَزَعَهُ عِرْقٌ وَكَذَا فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِرْقِ الْأَصْلُ مِنَ النَّسَبِ شَبَّهَهُ بِعِرْقِ الشَّجَرَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ عَرِيقٌ فِي الْأَصَالَةِ أَيْ أَنَّ أَصْلَهُ مُتَنَاسِبٌ، وَكَذَا مُعْرِقٌ فِي الْكَرْمِ أَوِ اللُّؤْمِ، وَأَصْلُ النَّزْعِ الْجَذْبُ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَيْلِ، وَمِنْهُ مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ حِينَ سُئِلَ عَنْ شَبَهِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ أَوْ بِأُمِّهِ: نَزَعَ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ، وَفِي الْحَدِيثِ ضَرْبُ الْمَثَلِ، وَتَشْبِيهُ الْمَجْهُولِ بِالْمَعْلُومِ تَقْرِيبًا لِفَهْمِ السَّائِلِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِصِحَّةِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ أَصْلٌ فِي قِيَاسِ الشَّبَهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارُ بِالنَّظِيرِ ; وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ: هُوَ تَشْبِيهٌ فِي أَمْرٍ وُجُودِيٍّ، وَالنِّزَاعُ إِنَّمَا هُوَ فِي التَّشْبِيهِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ قَوِيَّةٍ. وَفِيهِ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاءُ مِنْ وَلَدِهِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ، وَأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِهِ وَلَوْ خَالَفَ لَوْنُهُ لَوْنَ أُمِّهِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ تَبَعًا لِابْنِ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نَفْيُ الْوَلَدِ بِاخْتِلَافِ الْأَلْوَانِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْأُدْمَةِ وَالسُّمْرَةِ، وَلَا فِي الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ إِذَا كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ فِي مَذْهَبِهِ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ ثَابِتٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِتَفْصِيلٍ فَقَالُوا: إِنْ لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ قَرِينَةُ زِنًا لَمْ يَجُزِ النَّفْيُ، فَإِنِ اتَّهَمَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ عَلَى لَوْنِ الرَّجُلِ الَّذِي اتَّهَمَهَا بِهِ جَازَ النَّفْيُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي فِي اللِّعَانِ مَا يُقَوِّيهِ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ النَّفْيِ مَعَ الْقَرِينَةِ مُطْلَقًا، وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِهَا، وَهُوَ عَكْسُ تَرْتِيبِ الْخِلَافِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَفِيهِ تَقْدِيمُ حُكْمِ الْفِرَاشِ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ مُخَالَفَةَ الشَّبَهِ. وَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ لِلْأَنْسَابِ وَإِبْقَائِهَا مَعَ الْإِمْكَانِ، وَالزَّجْرُ عَنْ تَحْقِيقِ ظَنِّ السُّوءِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْهُ مَنْعُ التَّسَلْسُلِ، وَأَنَّ الْحَوَادِثَ لَا بُدَّ لَهَا أَنْ تَسْتَنِدَ إِلَى أَوَّلَ لَيْسَ بِحَادِثٍ.

وَفِيهِ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ لَا يُثْبِتُ حُكْمَ الْقَذْفِ حَتَّى يَقَعَ التَّصْرِيحُ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ، وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةَ أَنَّ التَّعْرِيضَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْقَذْفُ عِنْدَهُمْ هُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْقَذْفُ كَمَا يُفْهَمُ مِنَ التَّصْرِيحِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِدَفْعِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُرِدْ قَذْفًا، بَلْ جَاءَ سَائِلًا مُسْتَفْتِيًا عَنِ الْحُكْمِ لِمَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الرِّيبَةِ، فَلَمَّا ضُرِبَ لَهُ الْمَثَلُ أَذْعَنَ، وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: التَّعْرِيضُ إِذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ السُّؤَالِ لَا حَدَّ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي التَّعْرِيضِ إِذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاجَهَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي التَّعْرِيضِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَقْصِدُ الْأَذِيَّةَ الْمَحْضَةَ، وَالزَّوْجُ قَدْ يُعْذَرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صِيَانَةِ النَّسَبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٢٧ - بَاب إِحْلَافِ الْمُلَاعِنِ

٥٣٠٦ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ Object: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَأَحْلَفَهُمَا النَّبِيُّ Object ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ إِحْلَافِ الْمُلَاعِنِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ فَأَحْلَفَهُمَا وَكَذَا سَيَأْتِي بَعْدَ سِتَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ النُّورِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَالْمُرَادُ بِالْإِحْلَافِ هُنَا النُّطْقُ بِكَلِمَاتِ اللِّعَانِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: اللِّعَانُ شَهَادَةٌ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ: شَهَادَةٌ فِيهَا شَائِبَةُ الْيَمِينِ، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا شَهَادَةٍ، وَانْبَنَى عَلَى الْخِلَافِ أَنَّ اللِّعَانَ يُشْرَعُ بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ حُرَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ