صَاحِبُ الْهُدَى فَقَالَ: لِلنَّاسِ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ - يَعْنِي الْمَذْكُورَ قَبْلُ - ثَلَاثَ مَسَالِكَ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ إِلَّا بَعْدَ تَعْيِينِهِ وَالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ مِنَ الْمُقِرِّ بِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الْمَذْكُورِ فِي الْقِصَّةِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ الْمَسَالِكِ، وَقَوَّاهُ بِأَنَّ الْحَسَنَةَ الَّتِي جَاءَ بِهَا مِنِ اعْتِرَافِهِ طَوْعًا بِخَشْيَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ تُقَاوِمُ السَّيِّئَةَ الَّتِي عَمِلَهَا، لِأَنَّ حِكْمَةَ الْحُدُودِ الرَّدْعُ عَنِ الْعَوْدِ، وَصَنِيعُهُ ذَلِكَ دَالٌّ عَلَى ارْتِدَاعِهِ فَنَاسَبَ رَفْعُ الْحَدِّ عَنْهُ لِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٢٨ - بَاب هَلْ يَقُولُ الْإِمَامُ لِلْمُقِرِّ: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ أَوْ غَمَزْتَ؟
٦٨٢٤ - حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ؟ قَالَ: لَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَنِكْتَهَا؟ - لَا يَكْنِي - قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ هَلْ يَقُولُ الْإِمَامُ لِلْمُقِرِّ) أَيْ بِالزِّنَا (لَعَلَّكَ لَمَسْتَ أَوْ غَمَزْتَ) هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِجَوَازِ تَلْقِينِ الْإِمَامِ الْمُقِرَّ بِالْحَدِّ مَا يَدْفَعُهُ عَنْهُ، وَقَدْ خَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِمَنْ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَوْ جَهِلَ.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ) فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ حَدَّثَنَا يَعْلَى وَلَمْ يُسَمِّ أَبَاهُ فِي رِوَايَتِهِ، فَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ ابْنُ مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِلتَّصْرِيحِ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْبَابِ بِأَنَّهُ ابْنُ حَكِيمٍ.
قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) لَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى فِي رِوَايَتِهِ بَلْ أَرْسَلَهُ وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ، وَكَانَ الْبُخَارِيُّ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذِهِ الْعِلَّةَ لِأَنَّ وَهْبَ بْنَ جَرِيرٍ وَصَلَهُ وَهُوَ أَخْبَرُ بِحَدِيثِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ دُونَ مُوسَى فِي الْحِفْظِ، وَلِأَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ مَعْرُوفٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ: (لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ) فِي رِوَايَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ إنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّهُ زَنَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا، فَسَأَلَ قَوْمَهُ: أَمَجْنُونٌ هُوَ؟ قَالُوا: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ لَهُ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ) حَذَفَ الْمَفْعُولَ لِلْعِلْمِ بِهِ أَيِ الْمَرْأَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ مَحَلَّ التَّقْبِيلِ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ غَمَزْتَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ أَيْ بِعَيْنِكَ أَوْ يَدِكَ أَيْ أَشَرْتَ أَوِ الْمُرَادُ بِغَمَزْتَ بِيَدِكَ الْجَسُّ أَوْ وَضْعُهَا عَلَى عُضْوِ الْغَيْرِ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: لَمَسْتَ بَدَلَ غَمَزْتَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِلَفْظِ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ لَمَسْتَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ نَظَرْتَ) أَيْ فَأَطْلَقْتَ عَلَى أَيِّ وَاحِدَةٍ فَعَلْتَ مِنَ الثَّلَاثِ، زِنًا فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: الْعَيْنُ تَزْنِي وَزِنَاهَا النَّظَرُ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَهُمَا أَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا ذَكَرَ اللِّسَانَ وَالْيَدَ وَالرِّجْلَ وَالْأُذُنَ، زَادَ أَبُو دَاوُدَ وَالْفَمَ، وَعِنْدَهُمْ وَالْفَرْجُ يَصْدُقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَفَعَهُ كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ.
قَوْلُهُ: (أَنِكْتَهَا) بِالنُّونِ وَالْكَافِ (لَا يَكْنِي) أَيْ تَلَفَّظَ بِالْكَلِمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يَكْنِ عَنْهَا بِلَفْظٍ آخَرَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ خَالِدٍ بِلَفْظِ: أَفَعَلْتَ بِهَا وَكَأَنَّ هَذِهِ الْكِنَايَةَ صَدَرَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ شَيْخِهِ لِلتَّصْرِيحِ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ