وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ مَعَ أَنَّ هَمَّامًا كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا يَرْضَاهُ وَيَقُولُ: أَبَانُ الْعَطَّارُ أَمْثَلُ مِنْهُ.
قُلْتُ: لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الْوَهْمِ، وَأَمَّا إِطْلَاقُهُ كَوْنَهُ مُنْكَرًا فَعَلَى طَرِيقَتِهِ فِي تَسْمِيَتِهِ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ الرَّاوِي مُنْكَرًا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَابِعٌ، لَكِنْ يُجَابُ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِهَمَّامٍ وَلَا لِعَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ فِيهِ مُتَابِعٌ فَشَاهِدُهُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَقِبَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَلَكِنَّ مَنْ وَحَّدَ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَالَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَسَّرَهُ بِهِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِاخْتِلَافِ الْقِصَّتَيْنِ، وَعَلَى التَّعَدُّدِ جَرَى الْبُخَارِيُّ فِي هَاتَيْنِ التَّرْجَمَتَيْنِ فَحَمَلَ الْأُولَى عَلَى مَنْ أَقَرَّ بِذَنْبٍ دُونَ الْحَدِّ لِلتَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أُجَامِعْهَا وَحَمَلَ الثَّانِيَةَ عَلَى مَا يُوجِبُ الْحَدَّ لأنه ظَاهِرُ قَوْلِ الرَّجُلِ، وَأَمَّا مَنْ وَحَّدَ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ فَقَالَ لَعَلَّهُ ظَنَّ مَا لَيْسَ بِحَدٍّ حَدًّا، أَوِ اسْتَعْظَمَ الَّذِي فَعَلَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ، وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ شَاهِدٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ شَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ وَائِلَةَ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ) أَيْ لَمْ يَسْتَفْسِرْهُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَسَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ.
قَوْلُهُ: (وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ) فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: وَأُقِيمَتْ.
قَوْلُهُ: (أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا) فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَلَيْسَ حَيْثُ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: ثُمَّ شَهِدْتَ مَعَنَا الصَّلَاةَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَوْلُهُ: (ذَنْبُكَ أَوْ قَالَ حَدُّكَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ بِسَنَدِهِ فِيهِ: قَدْ غَفَرَ لَكَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بِالشَّكِّ وَلَفْظُهُ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ أَوْ قَالَ حَدَّكَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ نَظَرُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، فَظَاهِرُ تَرْجَمَةِ الْبُخَارِيِّ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَيْهِ إِذَا تَابَ، وَحَمَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ اطَّلَعَ بِالْوَحْيِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ لِكَوْنِهَا وَاقِعَةَ عَيْنٍ، وَإِلَّا لَكَانَ يَسْتَفْسِرُهُ عَنِ الْحَدِّ وَيُقِيمُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَيْضًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ لَا يَكْشِفُ عَنِ الْحُدُودِ بَلْ يَدْفَعُ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ يُفْصِحْ بِأَمْرٍ يَلْزَمُهُ بِهِ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ أَصَابَ صَغِيرَةً ظَنَّهَا كَبِيرَةً تُوجِبُ الْحَدَّ فَلَمْ يَكْشِفْهُ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مُوجِبَ الْحَدِّ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهُ إِمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَدْخُلُ فِي التَّجْسِيسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِمَّا إِيثَارًا لِلسَّتْرِ، وَرَأَى أَنَّ فِي تَعَرُّضِهِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ نَدَمًا وَرُجُوعًا، وَقَدِ اسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ تَلْقِينَ مَنْ أَقَرَّ بِمُوجِبِ الْحَدِّ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ إِمَّا بِالتَّعْرِيضِ وَإِمَّا بِأَوْضَحَ مِنْهُ لِيَدْرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ.
وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ الذَّنْبَ الَّذِي فَعَلَهُ كَانَ مِنَ الصَّغَائِرِ بِدَلِيلِ أَنَّ فِي بَقِيَّةِ الْخَبَرِ أَنَّهُ كَفَّرَتْهُ الصَّلَاةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الَّذِي تُكَفِّرُهُ الصَّلَاةُ مِنَ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرُ لَا الْكَبَائِرُ، وَهَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ، وَقَدْ تُكَفِّرُ الصَّلَاةُ بَعْضَ الْكَبَائِرِ كَمَنْ كَثُرَ تَطَوُّعُهُ مَثَلًا بِحَيْثُ صَلَحَ لِأَنْ يُكَفِّرَ عَدَدًا كَثِيرًا مِنَ الصَّغَائِرِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنَ الصَّغَائِرِ شَيْءٌ أَصْلًا أَوْ شَيْءٌ يَسِيرٌ وَعَلَيْهِ كَبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ مَثَلًا، فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ عَنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا.
قُلْتُ: وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْبَرْزَنْجِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ بِسَنَدٍ حَدِيثُ الْبَابِ بِلَفْظِ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ الْحَدِيثَ، فَحَمَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّ مَا لَيْسَ زِنًا زِنًا؛ فَلِذَلِكَ كَفَّرَتْ ذَنْبَهُ الصَّلَاةُ، وَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ إِذَا جَاءَ تَائِبًا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي عَبَّرَ بِالزِّنَا مِنْ قَوْلِهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَرَوَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي ظَنَّهُ، وَالْأَصْلُ مَا فِي الصَّحِيحِ فَهُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحُفَّاظُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمَذْكُورِ لِإِخْبَارِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَّرَ عَنْهُ حَدَّهُ بِصَلَاتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِطَرِيقِ الْوَحْيِ فَلَا يَسْتَمِرُّ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ إِلَّا فِي مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ وَقَدِ انْقَطَعَ عِلْمُ ذَلِكَ بِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِهِ