وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْمَلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَضَعِيفٌ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَيْضِ، وَقَوْلُهَا طَمَثْتُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ حِضْتُ، وَيَجُوزُ كَسْرُ الْمِيمِ، يُقَالُ: طَمِثَتِ الْمَرْأَةُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي، تَطْمُثُ بِالضَّمِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
٨ - بَاب الِاسْتِحَاضَةِ
٣٠٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، وَصَلِّي.
قَوْلُهُ: (بَابُ الِاسْتِحَاضَةِ) تقَدَّمَ أَنَّهَا جَرَيَانُ الدَّمِ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ عِرْقٍ يُقَالُ لَهُ: الْعَاذِلُ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ.
قَوْلُهُ: (إِنِّي لَا أَطْهُرُ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ غَسْلِ الدَّمِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ وَهُوَ ابْنُ عُرْوَةَ. فِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِبَيَانِ السَّبَبِ وَهُوَ قَوْلُهَا إِنِّي أُسْتَحَاضُ وَكَانَ عِنْدَهَا أَنَّ طَهَارَةَ الْحَائِضِ لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، فَكَنَّتْ بِعَدَمِ الطُّهْرِ عَنِ اتِّصَالِهِ، وَكَانَتْ قد عَلِمَتْ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُصَلِّي فَظَنَّتْ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مُقْتَرِنٌ بِجَرَيَانِ الدَّمِ مِنَ الْفَرْجِ، فَأَرَادَتْ تَحَقُّقَ ذَلِكَ فَقَالَتْ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ.
قَوْلُهُ: (إِنَّمَا ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ، وَزَادَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ فَقَالَ لَا.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَوْ كُلِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَدِ اخْتَارَ الْكَسْرَ عَلَى إِرَادَةِ الْحَالَةِ، لَكِنَّ الْفَتْحَ هُنَا أَظْهَرُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنَ الْمُتَعَيَّنِ ; لِأَنَّهُ ﷺ أَرَادَ إِثْبَاتَ الِاسْتِحَاضَةِ وَنَفْيَ الْحَيْضِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَيَجُوزُ فِيهِ الْوَجْهَانِ مَعًا جَوَازًا حَسَنًا. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَالَّذِي فِي رِوَايَتِنَا بِفَتْحِ الْحَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) أَيْ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَابِ إِذَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الدَّمِ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ وَاقِعٌ بَيْنَ أَصْحَابِ هِشَامٍ، مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ غَسْلَ الدَّمِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاغْتِسَالَ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ الِاغْتِسَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الدَّمِ، وكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَأَحَادِيثُهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ اخْتَصَرَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لِوُضُوحِهِ عِنْدَهُ. وَفِيهِ اخْتِلَافٌ ثَالِثٌ أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي بَابِ غَسْلِ الدَّمِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ الْبَابِ، وَزَادَ: ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَرَدَدْنَا هُنَاكَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مَدْرَجٌ، وَقَوْلَ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُرْوَةَ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو مُعَاوِيَةَ بِذَلِكَ، فَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ وَادَّعَى أَنَّ حَمَّادًا تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَأَوْمَأَ مُسْلِمٌ أَيْضًا إِلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَالسَّرَّاجِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا مَيَّزَتْ دَمَ الْحَيْضِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ تَعْتَبِرُ دَمَ الْحَيْضِ وَتَعْمَلُ عَلَى إِقْبَالِهِ وَإِدْبَارِهِ، فَإِذَا انْقَضَى قَدْرُهُ اغْتَسَلَتْ عَنْهُ ثُمَّ صَارَ حُكْمُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ حُكْمَ الْحَدَثِ فَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، لَكِنَّهَا لَا تُصَلِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute