وَهُوَ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنَ الْعَشَرَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ بِاللَّفْظَيْنِ وَيَكُونَ التَّأْوِيلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ الطَّرِيقُ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جُعِلَ عَلَى الرَّجُلِ عَشَرَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ خُفِّفَ عَنْهُمْ فَجُعِلَ عَلَى الرَّجُلِ رَجُلَانِ وَرَوَى أَيْضًا الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَمِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا.
قَوْلُهُ: (وَزَادَ سُفْيَانُ) كَأَنَّهُ حَدَّثَ مَرَّةً بِالزِّيَادَةِ وَمَرَّةً بِدُونِهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرٍو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفِرَّ مِنْ عَشَرَةٍ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾ الْآيَةَ، فَجُعِلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفِرَّ مِنِ اثْنَيْنِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَكَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِاللَّفْظَيْنِ، وَسَأَذْكُرُ مَا فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (قَالَ سُفْيَانُ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ قَاضِي الْكُوفَةِ وَهُوَ مَوْصُولٌ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ قَالَ سُفْيَانُ فَذَكَرْتُهُ لِابْنِ شُبْرُمَةَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَرَى الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِثْلَ هَذَا) أَيْ أَنَّهُ عِنْدَهُ فِي حُكْمِ الْجِهَادِ، لِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْحَقِّ وَإِخْمَادِ كَلِمَةِ الْبَاطِلِ.
٧ - بَاب: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
٤٦٥٣ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ الخِرِّيتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ فَقَالَ: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ قَالَ: فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ الْعِدَّةِ نَقَصَ مِنْ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (بَابُ: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ الْآيَةَ) زَادَ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ: إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ فَوْقَانِيَّةٌ، بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ. وَلِجَرِيرِ بْنِ حَازِمِ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ شَيْخٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ لِجَرِيرٍ فِيهِ طَرِيقِينَ، وَلَفْظُ رِوَايَةِ عَطَاءٍ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتِلَ الْوَاحِدُ عَشَرَةً، فَشَقَ عَلَيْهِمْ، فَوَضَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ الْوَاحِدُ الرَّجُلَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ الْآيَةَ وَزَادَ بَعْدَهَا ثُمَّ قَالَ: ﴿لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾ فَذَكَرَ تَفْسِيرَهَا ثُمَّ قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى﴾، فَذَكَرَ قَوْلَ الْعَبَّاسِ فِي الْعِشْرِينَ، وَفِي قَوْلِهِ: فَأَعْطَانِي عِشْرِينَ عَبْدًا كُلُّهُمْ قَدْ تَاجَرَ بِمَالِي مَعَ مَا أَرْجُوهُ مِنْ مَغْفِرَةِ اللَّهِ تَعَالَى. قُلْتُ: وَفِي سَنَدِ طَرِيقِ عَطَاءٍ، مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ عِنْدَهُ مُسْنَدَةٌ بَلْ مُعْضَلَةٌ، وَصَنِيعُ ابْنِ إِسْحَاقَ - وَتَبِعَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ - يَقْتَضِي أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute