للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ضَحِيَّةَ الرَّجُلِ تُجْزِي عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ وَلَمْ يَأْتِ لِذَلِكَ بِدَلِيلٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بِأُضْحِيَّةٍ مَعَ تَكْرَارِ سِنِي الضَّحَايَا وَمَعَ تَعَدُّدِهِنَّ، وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِنَقْلِ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ كَمَا نُقِلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْجُزْئِيَّاتِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، حَتَّى تَنَاهَى النَّاسُ كَمَا تَرَى.

٤ - بَاب مَا يُشْتَهَى مِنْ اللَّحْمِ يَوْمَ النَّحْرِ

٥٥٤٩ - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ يَوْمَ النَّحْرِ: مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ - وَذَكَرَ جِيرَانَهُ - وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلَا أَدْرِي أبَلَغَتْ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا، ثُمَّ انْكَفَأَ النَّبِيُّ إِلَى كَبْشَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَقَامَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَتَوَزَّعُوهَا، أَوْ قَالَ: فَتَجَزَّعُوهَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُشْتَهَى مِنَ اللَّحْمِ يَوْمَ النَّحْرِ) أَيِ اتِّبَاعًا لِلْعَادَةِ بِالِالْتِذَاذِ بِأَكْلِ اللَّحْمِ يَوْمَ الْعِيدِ، وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا صَدَقَةُ) هُوَ ابْنُ الْفَضْلِ، وَابْنُ عُلَيَّةَ هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِقْسَمٍ.

قَوْلُهُ (فَقَامَ رَجُلٌ) هُوَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ.

قَوْلُهُ (إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ) فِي رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عن الشَّعْبِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ وَفِي لَفْظٍ لَهُ: مَقْرُومٌ وَهُوَ بِسُكُونِ الْقَافِ، قَالَ عِيَاضٌ رُوِّينَاهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْفَارِسِيِّ، وَالسِّجْزِيِّ مَكْرُوهٌ وَمِنْ طَرِيقِ الْعُذْرِيِّ مَقْرُومٌ وَقَدْ صَوَّبَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ، وَقَالَ مَعْنَاهُ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ، يُقَالُ: قَرَمْتُ إِلَى اللَّحْمِ وَقَرَمْتُهُ إِذَا اشْتَهَيْتُهُ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ قَالَ عِيَاضٌ: وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا صَوَابُ الرِّوَايَةِ اللَّحَمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ اشْتِهَاءُ اللَّحْمِ وَالْمَعْنَى تَرْكُ الذَّبْحِ وَالتَّضْحِيَةِ وَإِبْقَاءُ أَهْلِهِ فِيهِ بِلَا لَحْمٍ حَتَّى يَشْتَهُوهُ مَكْرُوهٌ، قَالَ وَقَالَ لِي الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ مَعْنَاهُ ذَبْحُ مَا لَا يُجْزِي فِي الْأُضْحِيَّةِ مِمَّا هُوَ لَحْمٌ، اهـ، وَبَالَغَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ: الرِّوَايَةُ بِسُكُونِ الْحَاءِ هُنَا غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ اللَّحَمُ بِالتَّحْرِيكِ، يُقَالُ لَحِمَ الرَّجُلُ بِكَسْرِ الْحَاءِ يَلْحَمُ بِفَتْحِهَا إِذَا كَانَ يَشْتَهِي اللَّحْمَ، وَأَمَّا الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فَقَالَ تَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ مَا لَا يَصِحُّ رِوَايَةً أَي اللَّحَمَ بِالتَّحْرِيكِ، وَلَا مَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُ الْآخَرِ مَعْنَى الْمَكْرُوهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، قَالَ: وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْ سِيَاقَ الْحَدِيثِ فَإِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ لَا يُلَائِمُهُ، إِذْ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَقُولَ إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ اللَّحْمُ فِيهِ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَأنِّي عَجِلْتُ لِأُطْعِمَ أَهْلِي، قَالَ: وَأَقْرَبُ مَا يُتَكَلَّفُ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَعْنَاهُ

اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهُ التَّأْخِيرِ فَحُذِفَ لَفْظُ التَّأْخِيرِ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ عَجِلْتُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى أَنَّ مَعْنَاهُ هَذَا يَوْمٌ طَلَبُ اللَّحْمِ فِيهِ مَكْرُوهٌ شَاقٌّ، قَالَ: وَهُوَ مَعْنًى حَسَنٌ، قُلْتُ: يَعْنِي طَلَبَهُ مِنَ النَّاسِ كَالصَّدِيقِ وَالْجَارِ، فَاخْتَارَ هُوَ أَنْ لَا يَحْتَاجَ أَهْلُهُ إِلَى ذَلِكَ فَأَغْنَاهُمْ بِمَا ذَبَحَهُ عَنِ الطَّلَبِ. وَوَقَعَ