للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَجُئِثْتُ، وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ فَرُعِبْتُ، وَفِي رِوَايَتِهِ فِي تَفْسِيرِ الْمُدَّثِّرِ فَجُئِثْتُ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَزَادَ فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فِيهِ فَجُئِثْتُ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ لِلْقَابِسِيِّ بِالْمُهْمَلَةِ قَالَ: وَفَسَّرَهُ بِأَسْرَعْتُ، قَالَ: وَلَا يَصِحُّ مَعَ قَوْلِهِ حَتَّى هَوَيْتُ أَيْ سَقَطْتُ مِنَ الْفَزَعِ.

قُلْتُ: ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثِ فِي ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ وَلَكِنَّهَا بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، ثُمَّ مُثَنَّاةٌ فَوْقَانِيَّةٌ، وَمَعْنَاهَا إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً سَقَطْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى صِرْتُ كَمَنْ حُثِيَ عَلَيْهِ التُّرَابُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَبَعْدَ الْجِيمِ مُثَلَّثَتَانِ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ، وَمَعْمَرٍ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ وَهِيَ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: جُئِثَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَجْئُوثٌ إِذَا فَزِعَ، وَعَنِ الْكِسَائِيِّ جَئِثَ وَجُثِثَ فَهُوَ مَجْئُوثٌ وَمَجْثُوثٌ أَيْ مَذْعُورٌ.

قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي) فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا وَكَأَنَّهُ رَوَاهَا بِالْمَعْنَى، وَالتَّزْمِيلُ وَالتَّدْثِيرُ يَشْتَرِكَانِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُغَايَرَةٌ فِي الْهَيْئَةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي، فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ فَامْتَثَلُوا. وَأَغْفَلَ بَعْضُ الرُّوَاةِ ذِكْرَ الْأَمْرِ بِالصَّبِّ، وَالِاعْتِبَارُ بِمَنْ ضَبَطَ، وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الصَّبِّ بَعْدَ التَّدَثُّرِ طَلَبُ حُصُولِ السُّكُونِ لِمَا وَقَعَ فِي الْبَاطِنِ مِنَ الِانْزِعَاجِ، أَوْ أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الرِّعْدَةَ تَعْقُبُهَا الْحُمَّى، وَقَدْ عُرِفَ مِنَ الطِّبِّ النَّبَوِيِّ مُعَالَجَتُهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ.

قَوْلُهُ: (فَنَزَلَتْ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ يُعْرَفُ مِنَ اتِّحَادِ الْحَدِيثَيْنِ فِي نُزُولِ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ عَقِبَ قَوْلِهِ: دَثِّرُونِي وَزَمِّلُونِي أَنَّ الْمُرَادَ بِزَمِّلُونِي دَثِّرُونِي، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ نُزُولُ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ حِينَئِذٍ لِأَنَّ نُزُولَهَا تَأَخَّرَ عَنْ نُزُولِ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ أَوَّلَ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ الْأَمْرُ بِالْإِنْذَارِ وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا بُعِثَ، وَأَوَّلَ الْمُزَّمِّلِ الْأَمْرُ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَتَرْتِيلِ الْقُرْآنِ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَ نُزُولِ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمُدَّثِّرِ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ وَفِيهَا مُحَصَّلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرِّسَالَةِ، فَفِي الْآيَةِ الْأُولَى الْمُؤَانَسَةُ بِالْحَالَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا مِنَ التَّدَثُّرِ إِعْلَامًا بِعَظِيمِ قَدْرِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْأَمْرُ بِالْإِنْذَارِ قَائِمًا وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ تَفْخِيمًا، وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ إِمَّا حَقِيقَتُهُ أَيْ قُمْ مِنْ مَضْجَعِكَ، أَوْ مَجَازُهُ أَيْ قُمْ مَقَامَ تَصْمِيمٍ، وَأَمَّا الْإِنْذَارُ فَالْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ هُنَا فَإِنَّهُ أَيْضًا بُعِثَ مُبَشِّرًا لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، فَمُتَعَلَّقُ الْإِنْذَارِ مُحَقَّقٌ؛ فَلَمَّا أَطَاعَ مَنْ أَطَاعَ نَزَلَتْ ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ وَفِي الثَّانِيَةِ تَكْبِيرُ الرَّبِّ تَمْجِيدًا وَتَعْظِيمًا، وَيُحْتَمَلُ الْحَمْلُ عَلَى تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ كَمَا حُمِلَ الْأَمْرُ بِالتَّطْهِيرِ عَلَى طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَالثِّيَابِ كَمَا تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ وَفِي الْآيَةِ الرَّابِعَةِ، وَأَمَّا الْخَامِسَةُ فَهِجْرَانُ مَا يُنَافِي التَّوْحِيدَ وَمَا يَئُولُ إِلَى الْعَذَابِ، وَحَصَلَتِ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ الْمُبْتَدَأِ

بِهِمَا النُّزُولُ فِيمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ بِاللَّفْظِ الْوَجِيزِ وَفِي عِدَّةِ مَا نَزَلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَهِيَ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ) تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْمُدَّثِّرِ، وَتَقَدَّمَ الْكَثِيرُ مِنْ شَرْحِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ، وَبَقِيَتْ مِنْهُمَا فَوَائِدُ أَخَّرْتُهَا إِلَى كِتَابِ التَّعْبِيرِ لِيَأْخُذَ كُلُّ مَوْضِعٍ سَاقَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِيهِ مُطَوَّلًا بِقِسْطٍ مِنَ الْفَائِدَةِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ) أَيِ اسْتَمَرَّ نُزُولُهُ.

٢ - بَاب قَوْلُهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ

٤٩٥٥ - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ