للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُعْظَمُهَا مُوَافِقًا لِمَا فِي التَّوْرَاةِ، لَكِنَّهُ نَسَخَ مِنْهَا أَشْيَاءَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾

قَوْلُهُ: (فِيهَا) أَيْ أَيَّامِ الدَّعْوَةِ، قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الضَّمِيرُ لِلنُّبُوَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ لِلْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ.

قَوْلُهُ: (لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا ذَكَرَ حَرْفًا) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ وَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ حِينَ يُخْرِجُكَ وَأَبْهَمَ مَوْضِعَ الْإِخْرَاجِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَكَّةَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ فِي السُّنَنِ وَلَوْلَا أَنِّي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ يُخَاطِبُ مَكَّةَ.

قَوْلُهُ: (يَوْمُكَ) أَيْ وَقْتُ الْإِخْرَاجِ، أَوْ وَقْتُ إِظْهَارِ الدَّعْوَةِ، أَوْ وَقْتُ الْجِهَادِ. وَتَمَسَّكَ ابْنُ الْقَيِّمِ الْحَنْبَلِيُّ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي بَدْءِ الْوَحْيِ ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ يَرُدُّ مَا وَقَعَ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ وَرَقَةَ كَانَ يَمُرُّ بِبِلَالٍ وَالْمُشْرِكُونَ يُعَذِّبُونَهُ وَهُوَ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ فَيَقُولُ: أَحَدٌ وَاللَّهِ يَا بِلَالُ، لَئِنْ قَتَلُوكَ لَاتَّخَذْتُ قَبْرَكَ حَنَانًا، هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهْمٌ، لِأَنَّ وَرَقَةَ قَالَ: وَإِنْ أَدْرَكَنِي يَوْمُكَ حَيًّا لَأَنْصُرَنَّكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا فَلَوْ كَانَ حَيًّا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الدَّعْوَةِ لَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَجَابَ وَقَامَ بِنَصْرِ النَّبِيِّ كَقِيَامِ عُمَرَ، وَحَمْزَةَ.

قُلْتُ: وَهَذَا اعْتِرَاضٌ سَاقِطٌ، فَإِنَّ وَرَقَةَ إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ حَيًّا أَنْصُرْكَ الْيَوْمَ الَّذِي يُخْرِجُوكَ فِيهِ، لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَنْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟! وَتَعْذِيبُ بِلَالٍ كَانَ بَعْدَ انْتِشَارِ الدَّعْوَةِ، وَبَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ إِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ لِلْحَبَشَةِ، ثُمَّ لِلْمَدِينَةِ مُدَّةٌ مُتَطَاوِلَةٌ.

(تَنْبِيهٌ): زَادَ مَعْمَرٌ بَعْدَ هَذَا كَلَامًا يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ مِنَ السَّنَدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هُنَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ.

قَوْلُهُ: (فَأَخْبَرَنِي) هُوَ عَطْفٌ عَلَى شَيْءٍ، وَالتَّقْدِيرُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بِمَا تَقَدَّمَ، وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بِمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي) هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي أَصْلِ الرِّوَايَةِ أَشْيَاءُ غَيْرُ هَذَا الْمَذْكُورِ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ لِأَنَّ جَابِرًا لَمْ يُدْرِكْهُ زَمَانُ الْقِصَّةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ حَضَرَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِذِكْرِ النَّبِيِّ فِيهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فِي تَفْسِيرِ الْمُدَّثِّرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ فَنُودِيتُ، وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ شَهْرًا.

قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي) يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ عِنْدَ وُجُودِ حَادِثٍ مِنْ قِبَلِهَا، وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ رَفْعُ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أُمِرْنَا أَنْ لَا نُتْبِعَ أَبْصَارَنَا الْكَوَاكِبَ إِذَا انْقَضَّتْ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ أَمَامِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي. وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَعْدَ قَوْلِهِ شَيْئًا: ثُمَّ نُودِيتُ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ) كَذَا لَهُ بِالرَّفْعِ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ، أَيْ فَإِذَا صَاحِبُ الصَّوْتِ هُوَ الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ وَهُوَ جَالِسٌ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ جَالِسًا بِالنَّصْبِ وَهُوَ عَلَى الْحَالِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى عَرْشٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

قَوْلُهُ: (فَفَزِعْتُ مِنْهُ) (١)


(١) الذي في المتن "ففرقت منه"