(كَلَّا أَبْشِرْ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَيَجُوزُ الْوَصْلُ، وَأَصْلُ الْبِشَارَةِ فِي الْخَيْرِ. وَفِي مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فَقَالَتْ: أَبْشِرْ يَا ابْنَ عَمٍّ وَاثْبُتْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
قَوْلُهُ: (لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فِي التَّعْبِيرِ يُحْزِنُكَ بِمُهْمَلَةٍ وَنُونٍ ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا، قَالَ الْيَزِيدِيُّ: أَحْزَنَهُ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَحَزَّنَهُ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الضَّبْطِ مُسْلِمٌ. وَالْخِزْيُ الْوُقُوعُ فِي بَلِيَّةٍ وَشُهْرَةٍ بِذِلَّةٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ مُرْسَلًا أَنَّ خَدِيجَةَ قَالَتْ: أَيِ ابْنَ عَمِّ أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُخْبِرَنِي بِصَاحِبِكَ إِذَا جَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ. قَالَتْ: قُمْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِي الْيُسْرَى، ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ إِلَى الْيُمْنَى كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَتْ: فَتَحَوَّلْ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي كَذَلِكَ، ثُمَّ أَلْقَتْ خِمَارَهَا وَتَحَسَّرَتْ وَهُوَ فِي حِجْرِهَا وَقَالَتْ: هَلْ تَرَاهُ؟ قَالَ: لَا قَالَتْ: اثْبُتْ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَلَكٌ وَمَا هُوَ بِشَيْطَانٍ. وَفِي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إِلَى عَدَّاسٍ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَذَكَرَتْ لَهُ خَبَرَ جِبْرِيلَ فَقَالَ: هُوَ أَمِينُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّينَ، ثُمَّ ذَهَبَتْ إِلَى وَرَقَةَ.
قَوْلُهُ: (فَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى وَرَقَةَ) فِي مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهَا أَمَرَتْ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَتَوَجَّهَ مَعَهُ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ تَوْجِيهِهَا أَوْ مَرَّةً أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (مَاذَا تَرَى)؟ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ، قَالَ: يَأْتِينِي مِنَ السَّمَاءِ جَنَاحَاهُ لُؤْلُؤٌ وَبَاطِنُ قَدَمَيْهِ أَخْضَرُ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، وَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ) هَكَذَا وَقَعَ هُنَا وَفِي التَّعْبِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ، وَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ هُنَا لِأَنِّي نَسِيتُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ هُنَاكَ لِمُسْلِمٍ فَقَطْ تَبَعًا لِلْقُطْبِ الْحَلَبِيِّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْعِبَارَتَانِ صَحِيحَتَانِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَمَكَّنَ حَتَّى صَارَ يَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ أَيَّ مَوْضِعٍ شَاءَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: كَتَبَ مِنَ الْإِنْجِيلِ الَّذِي هُوَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي هُوَ بِالْعَرَبِي.
قَوْلُهُ: (اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ) أَيِ الَّذِي يَقُولُ.
قَوْلُهُ: (أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى) كَذَا هُنَا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَنْزَلَ اللَّهُ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ أَبِي مَيْسَرَةَ أَبْشِرْ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ ابْنُ مَرْيَمَ، وَأَنَّكَ عَلَى مِثْلِ نَامُوسِ مُوسَى، وَأَنَّكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّكَ سَتُؤْمَرُ بِالْجِهَادِ، وَهَذَا أَصْرَحُ مَا جَاءَ فِي إِسْلَامِ وَرَقَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ خَدِيجَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ لَمَّا سُئِلَ عَنْ وَرَقَةَ: كَانَ وَرَقَةُ صَدَّقَكَ. وَلَكِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ، فَقَالَ: رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَكَانَ لِبَاسُهُ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَعِنْدَ الْبَزَّارِ، وَالْحَاكِمِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: لَا تَسُبُّوا وَرَقَةَ فَإِنِّي رَأَيْتُ لَهُ جَنَّةً أَوْ جَنَّتَيْنِ وَقَدِ اسْتَوْعَبْتُ مَا وَرَدَ فِيهِ فِي تَرْجَمَتِهِ تَرْجَمَةٍ مِنْ كِتَابِي فِي الصَّحَابَةِ، وَتَقَدَّمَ بَعْضُ خَبَرِهِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا ذِكْرُ الْحِكْمَةِ فِي قَوْلِ وَرَقَةَ نَامُوسِ مُوسَى وَلَمْ يَقُلْ عِيسَى مَعَ أَنَّهُ كَانَ تَنَصَّرَ، وَأَنَّ ذَلِكَ وَرَدَ فِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ بِلَفْظِ عِيسَى وَلَمْ يَقِفْ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ عَلَى ذَلِكَ فَبَالَغَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى النَّوَوِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ نَامُوسِ عِيسَى وَذَكَرَ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ فِي وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ لِذِكْرِ مُوسَى دُونَ عِيسَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَعَلَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لِوَرَقَةَ مِمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنَ اقْرَأْ وَيَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ وَيَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ فَهِمَ وَرَقَةُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كُلِّفَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ التَّكَالِيفِ فَنَاسَبَ ذِكْرَ مُوسَى لِذَلِكَ، لِأَنَّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى عِيسَى إِنَّمَا كَانَ مَوَاعِظَ. كَذَا قَالَ، وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ فَإِنَّ نُزُولَ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ وَيَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ إِنَّمَا نَزَلَ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ الْمُدَّثِّرِ، وَالِاجْتِمَاعُ بِوَرَقَةَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْبَعْثَةِ. وَزَعْمُ أَنَّ الْإِنْجِيلَ كُلَّهُ مَوَاعِظُ مُتَعَقَّبٌ أَيْضًا، فَإِنَّهُ مُنَزَّلٌ أَيْضًا عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute