للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْقُرْآنِ أَنَّهَا تَنْحَصِرُ فِي عُلُومِ التَّوْحِيدِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ، وَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْأَمْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْبُدَاءَةِ فِيهَا بِ بِاسْمِ اللَّهِ، وَفِي هَذِهِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْأَحْكَامِ، وَفِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَوْحِيدِ الرَّبِّ وَإِثْبَاتِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ صِفَةِ ذَاتٍ وَصِفَةِ فِعْلٍ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أُصُولِ الدِّينِ، وَفِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَخْبَارِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾

قَولُهُ: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ اسْتَدَلَّ بِهِ السُّهَيْلِيُّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ يُؤْمَرُ بِقِرَاءَتِهَا أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ آيَةً مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، كَذَا قَالَ: وَقَرَّرَهُ الطِّيبِيُّ فَقَالَ: قَوْلُهُ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ قَدَّمَ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْبَاءِ لِكَوْنِ الْأَمْرِ بِالْقِرَاءَةِ أَهَمَّ، وَقَوْلُهُ: (اقْرَأْ) أَمْرٌ بِإِيجَادِ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، وَقَوْلُهُ بِاسْمِ رَبِّكَ حَالٌ، أَيِ اقْرَأْ مُفْتَتِحًا بِاسْمِ رَبِّكَ: وَأَصَحُّ تَقَادِيرِهِ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثُمَّ اقْرَأْ، قَالَ: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مَأْمُورٌ بِهَا فِي ابْتِدَاءِ كُلِّ قِرَاءَةٍ انْتَهَى.

لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَأْمُورًا بِهَا، فَلَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا آيَةً مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَ لَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ آيَةً قَبْلَ كُلِّ آيَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ: فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، قَالَ: لِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ وَلَيْسَ فِي أَوَّلِهَا الْبَسْمَلَةُ، فَقَدْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ فِيهَا الْأَمْرَ بِهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ نُزُولُهَا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: تَرْتِيبُ آيِ السُّوَرِ فِي النُّزُولِ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا، وَقَدْ كَانَتِ الْآيَةُ تَنْزِلُ فَتُوضَعُ فِي مَكَانٍ قَبْلَ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَهَا، ثُمَّ تَنْزِلُ الْأُخْرَى فَتُوضَعُ قَبْلَهَا، إِلَى أَنِ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ فِي آخِرِ عَهْدِهِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَلَوْ صَحَّ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَ النَّبِيَّ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالْبَسْمَلَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ اقْرَأْ لَكَانَ أَوْلَى فِي الِاحْتِجَاجِ، لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ، وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي مَيْسَرَةَ أَنَّ أَوَّلَ مَا أَمَرَ بِهِ جِبْرِيلُ قَالَ لَهُ: قُلْ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هُوَ مُرْسَلٌ وَإِنْ كَانَ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ وَأَنَّ نُزُولَ الْفَاتِحَةِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فُؤَادُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ، وَتَرْجُفُ عِنْدَهُمْ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ، وَلَعَلَّهَا فِي رِوَايَةٍ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ بِالتَّحْتَانِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي) كَذَا لِلْأَكْثَرِ مَرَّتَيْنِ، وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ، وَوَقَعَ لِأَبِي ذَرٍّ هُنَا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَالتَّزْمِيلُ التَّلْفِيفُ، وَقَالَ ذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا لَحِقَهُ مِنْ هَوْلِ الْأَمْرِ، وَجَرَتِ الْعَادَةُ بِسُكُونِ الرِّعْدَةِ بِالتَّلْفِيفِ. وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ خَرَجَ فَسَمِعَ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا جِبْرِيلُ، فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَمَا أَتَقَدَّمُ وَمَا أَتَأَخَّرُ، وَجَعَلْتُ أَصْرِفُ وَجْهِي فِي نَاحِيَةِ آفَاقِ السَّمَاءِ فَلَا أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا إِلَّا رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي التَّعْبِيرِ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُ عِنْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَإِنَّ إِعْلَامَهُ بِالْإِرْسَالِ وَقَعَ بِقَوْلِهِ: ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾

قَوْلُهُ: (فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيِ الْفَزَعُ، وَأَمَّا الَّذِي بِضَمِ الرَّاءِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْفَزَعِ مِنَ الْقَلْبِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ لِخَدِيجَةَ: أَيْ خَدِيجَةُ، مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ قَدْ خَشِيتُ.

قَوْلُهُ: (فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ) تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ: فَقَالَهُ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: لَقَدْ خَشِيتُ وَقَوْلُهُ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْمَقُولِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ مَا قَالُوهُ فِي مُتَعَلَّقِ الْخَشْيَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هَذَا وَقَعَ لَهُ أَوَّلَ مَا رَأَى التَّبَاشِيرَ فِي النَّوْمِ ثُمَّ فِي الْيَقَظَةِ، وَسَمِعَ الصَّوْتَ قَبْلَ لِقَاءِ الْمَلَكِ، فَأَمَّا بَعْدَ مَجِيءِ الْمَلَكِ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الشَّكُّ وَلَا يُخْشَى مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ. وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ خِلَافُ صَرِيحِ الشِّفَاءِ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ غَطَّهُ الْمَلَكُ وَأَقْرَأَهُ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ قَالَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّ قَوْلَهُ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي وَقَعَ مِنْهُ إِخْبَارًا عَمَّا حَصَلَ لَهُ أَوَّلًا لَا أَنَّهُ حَالَةُ إِخْبَارِهَا بِذَلِكَ جَازَتْ فَيَتَّجِهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: