قَوْلُهُ: (لَمْ يَقُلْ غُنْدَرٌ، وَيَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ الْوُضُوءَ) يَعْنِي أَنَّ غُنْدَرًا وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَيَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ رَوَيَا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، لَكِنْ لَمْ يَقُولَا فِيهِ عَلَيْكَ الْوُضُوءُ، فَأَمَّا يَحْيَى فَهُوَ كَمَا قال: فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: فَلَيْسَ عَلَيْكَ غُسْلٌ وَأَمَّا غُنْدَرٌ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ لَكِنَّهُ ذَكَرَ الْوُضُوءَ، وَلَفْظُهُ فَلَا غُسْلَ عَلَيْكَ، عَلَيْكَ الْوُضُوءُ، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ، كَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْهُ، فَكَأَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَهُ بِهِ عَنْ يَحْيَى وَغُنْدَرٍ مَعًا، فَسَاقَهُ لَهُ عَلَى لَفْظِ يَحْيَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ كَانَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ اخْتِلَافٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْغُسْلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٣٥ - بَاب الرَّجُلُ يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ
١٨١ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، قال: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا أَفَاضَ مِنْ عَرَفةَ عَدَلَ إِلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ. قال أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي؟ فَقَالَ: الْمُصَلَّى أَمَامَكَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الرَّجُلِ يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ)؛ أَيْ: مَا حُكْمُهُ.
قَوْلُهُ: (ابْنُ سَلَامٍ) هُوَ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ، وَيَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ. وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ؛ لِأَنَّ يَحْيَى وَمُوسَى بْنَ عُقْبَةَ تَابِعِيَّانِ صَغِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَوَاسِطِ التَّابِعِينَ، فَفِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ، وَيَأْتِي بَاقِيهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ.
وَوَقَعَ فِي تَرَاجِمِ الْبُخَارِيِّ، لِابْنِ الْمُنِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَهْمٌ، فَإِنَّهُ قال: فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ: (أَصُبُّ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَيِ: الْمَاءَ. وَقَوْلُهُ وَيَتَوَضَّأُ؛ أَيْ: وَهُوَ يَتَوَضَّأُ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوُضُوءِ، لَكِنْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ مُخْتَصَّةٌ بِغَيْرِ الْمَشَقَّةِ أَوْ الِاحْتِيَاجِ فِي الْجُمْلَةِ لَا يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي السَّفَرِ. وَكَذَا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ الْمَذْكُورِ، قال ابْنُ الْمُنِيرِ: قَاسَ الْبُخَارِيُّ تَوْضِئَةَ الرَّجُلِ غَيْرَهُ عَلَى صَبِّهِ عَلَيْهِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي مَعْنَى الْإِعَانَةِ. قُلْتُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، وَلَمْ يُفْصِحِ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ بِجَوَازٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهَذِهِ عَادَتُهُ فِي الْأُمُورِ الْمُحْتَمَلَةِ.
قال النَّوَوِيُّ: الِاسْتِعَانَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: إِحْضَارُ الْمَاءِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ أَصْلًا. قُلْتُ: لَكِنِ الْأَفْضَلُ خِلَافُهُ. قال: الثَّانِي مُبَاشَرَةُ الْأَجْنَبِيِّ الْغُسْلَ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ إِلَّا لِحَاجَةٍ. الثَّالِثُ: الصَّبُّ وَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا يُكْرَهُ، وَالثَّانِي خِلَافُ الْأَوْلَى. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَعَلَهُ لَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَلَا يَكُونُ فِي حَقِّهِ خِلَافُ الْأَوْلَى بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: إِذَا كَانَ الْأَوْلَى تَرْكُهُ كَيْفَ يُنَازَعُ فِي كَرَاهَتِهِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ فِعْلُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، إِذِ الْمَكْرُوهُ يُطْلَقُ عَلَى الْحَرَامِ بِخِلَافِ الْآخَرِ.
١٨٢ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، قال: أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَانَ